كتب: فقه اللهو والترويح |
فن الفكاهة والمرح (الكوميديا) |
فن الفكاهة والمرح (الكوميديا) ويحسن بي: أن أضيف هنا سطورا مما كتبته عن فن الفكاهة والمرح أو (الكوميديا) كما يسمونها اليوم، في رسالتي عن (الإسلام والفن) وفيها: الحياة رحلة شاقة، حافلة بالمتاعب والآلام، ولا يسلم امرؤ فيها من تجرع لون أو أ لوان من غصصها، ومكابدة آلامها، وإن وُلِد وفي فمه ملعقة من ذهب، كما يقولون. وقد أشار القرآن إلى ذلك حين قال: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) البلد:4. وأهل الإيمان أكثر تعرضا لبلاء الدنيا من غيرهم، نظرا لخطورة مطلبهم، من ناحية، وكثرة من يعارضهم ويقطع عليهم طريقهم من ناحية أخرى. حتى ورد في بعض الآثار: " المؤمن بين خمس شدائد: مسلم يَحسده، ومنافق يَبغضه، وكافر يُقاتله، وشيطان يُضله، ونفس تُنازعه "[1]. وثبت في الحديث أن أشد الناس بلاء: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل".[2] لهذا كان الناس ـ كل الناس ـ في حاجة إلى واحات في طريقهم، تخفف عنهم بعض عناء رحلة الحياة، وكان لا بد لهم من أشياء يروحون بها أنفسهم، حتى يضحكوا ويفرحوا ويمرحوا، ولا يغلب عليهم الغم والحزن والنكد، فينغص عليهم عيشهم، ويكدر عليهم صفوهم. وكان من تلك الأدوات: الغناء، وخصوصا في الأعراس والأعياد والمناسبات السارة. ومنها: الفكاهة والمرح، وكل ما يَستخرج الضحك من الإنسان، ويُطارد الحزن من قلبه، والعبوس من وجهه، والكآبة من حياته. فهل يرحب الدين بهذا الفن " الكوميدي " أو يضيق به؟ هل يحله أو يحرِّمه؟ الفكاهة والمرح في واقع المسلمين: وقد رأيت الناس ـ بفطرتهم ـ وعلى قدر ما سمحت به إمكاناتهم، وفي ضوء ما عرفوه من سماحة دينهم ـ قد ابتكروا ألوانا من الوسائل والأدوات، التي تقوم بوظيفة الترويح والإضحاك لهم. من ذلك: " النكت " التي برع فيها المصريون، واشتهروا بها بين الشعوب، وهي أنواع مختلفة، ولها مهمات متعددة، ومنها: " النكت السياسية " التي تهزأ بالحُكَّام وأعوانهم، وخصوصا في أوقات التسلط والاستبداد السياسي. ولا يكاد يجلس الناس بعضهم إلى بعض إلا حكوا من هذه النكت ما يُضحكهم ويسري عنهم بعض ما يعانون. أحيانا يسندونها إلى أسماء معروفة، مثل جحا، أو أبي نواس، أو غيرهما، وأحيانا لا ينسبونها إلى معيَّن. وليس من الضروري أن تكون النكت مخبرة عن واقع حقيقي، بل قد تكون مختلقة، كما يختلق القصاص والروائي الأحداث، لينسج قصة قصيرة أو طويلة، ولا يعتبر هذا من الكذب المحرم؛ والناس يعلمون أن هذه الأحداث من نسج خيال الروائي الأديب. وكذلك النكت. وهذا موجود لدى الشعوب عامة، حتى إن كثيرا من النكت التي نسمعها في مصر عن ( الصعايدة) وجدتها في باكستان يحكونها أو مثلها تماما عن ( السيخ). وفي سوريا نجد نكتا عن أهل حلب وأهل حماة عن أهل حمص. وأهل البلدان المختلفة يتسامحون في العادة في إنشاء هذه النكت أو روايتها. حتى إني رأيت بعض ( الصعايدة) ينكتون على ( الصعايدة) . وهناك أناس لا يقتصرون على حكاية النكت عن غيرهم، بل هم ينشئون نكتا على البديهة، وهذا شأن الشخصيات الفكهة، مثل " أشعب " قديما، ومثل الشيخ "عبد العزيز البشري" حديثا في مصر. ومما يحكونه عن الشيخ البشري: أن امرأة أعطته رسالة ليقرأها لها فلم يحسن قراءتها لرداءة الخط. فقال لها: يا خالتي، لم أستطع أن أقرأها. فقالت له: رجل محترم بعمامة، ولا يحسن أن تقرأ رسالة؟! فوضع العمامة على رأسها، وقال: هذه هي العمامة. اقرئيها أنت الآن!! وكانت في مصر بعض المجلات المتخصصة في هذا اللون، أشهرها مجلة "البعكوكة". ويلحق بذلك فن " القفشات " وما يسميه المصريون " الدخول في قافية "، وهو لون من استخدام المجاز والتورية حول موضوع واحد، يتطارح فيه الطرفان. ومن ذلك: ألوان من الألعاب التي تدعو إلى الضحك والمرح، مثل لعبة "الأراجوز". ومثله: " خيال الظل " الذي كان يعتبر نوعا من التمثيل الشعبي الفكاهي. ومن ذلك: الألغاز والأحاجي، أو ما يسمى في لغة العامة " الفوازير ". ومن ذلك: القصص الفكاهية، أو ما يسميه العوام " الحواديت " المسلّية والمرفّهة. ومن ذلك: " الأمثال الشعبية " التي كثيرا ما تتضمن أفكارا أو تعبيرات تبعث على الضحك والمرح... إلى غير ذلك من الألوان، التي تخترعها الشعوب بوساطة فنانين معروفين أو مجهولين غالبا، ملائمة لكل بيئة وما يسودها من قيم ومفاهيم، وما تمر به من ظروف وأحوال. وكل عصر يضيف أشياء جديدة، ويطور الأشياء القديمة، وقد يستغني عن بعضها. كما نرى في عصرنا فن " الكاريكاتير " الذي حوَّل النكتة من مجرد كلمة تُقال، إلى صورة معبِّرة، مصحوبة ببعض الكلام، أو غير مصحوبة. |
عدل سابقا من قبل الفنان في الإثنين 15 مارس 2010, 4:33 am عدل 3 مرات