أبناؤنا فلذات أكبادنا, أمانة في أعناقنا, من المهد إلى اللحد
أبناؤنا فلذات أكبادنا, أمانة في أعناقنا, من المهد إلى اللحد
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( يا أيها الناسُ اتقوا ربكُمُ الذي خلقكُم من نفس ٍواحدةِ, وخلقَ منها زوجَهَا, وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً, واتقوا اللهَ الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ, إن اللهَ كانَ عليكم رقيباً {1} ) النساء .
ويقولُ الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
الإخوة الكرام, الأخوات الكريمات : إن مما يثلج الصدر, ويثبت الفؤاد, ويملأ النفس طمأنينة, والقلب سعادة وسكينة, أن يلتزمَ المسلم بأمر الله تبارك وتعالى, وأن يقتفي أثر النبي الهادي عليه السلام .
فالزواج فطرة إنسانية, يقبلُ عليها المسلم فتطمئن بذلك نفسُه, حتى وهو يحملُ أمانة المسؤولية تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية, والحفاظ على النسل البشري. وصدق الله العلي العظيم إذ يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها, لا تبديل لخلق الله, ذلك الدين القيم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون{30} ) الروم .
لذلك فإنه يظهرُ ومنذ اليوم الأول لزواج العروسين حرصهما على التناسل والتكاثر امتثالا لهدي الرسول الكريم عليه السلام وقد قال : ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزَّ وجل خيراً له من زوجة صالحة, إن أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) .
وقال : ( الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة ).
وتحقيقاً لإشباع غريزة النوع, فيعملان جاهدين لتحقيق هذه الغاية، وما أن تظهر أعراض الحمل حتى تفوق سعادتهما الوصف, فيحرصان على راحة الجنين وسلامته, ويحملانه على أكف الراحة حتى قبل أن يرى النور.
فإذا جاء اليوم الموعود, والمولد المشهود, وبعد أن تكون الأم قد لاقت من الآلام ما لاقت من سهر الليالي، والآم الحمل والمخاض والوضع, فإنها وبمجرد سماعها لبكاء وليدها تنسى كل آلامها, وتغمرها سعادة غامرة .
هذه هي المرحلة الأولى على طريق الرعاية والعناية .
ثم لتبدأ بعدها مراحل تتبعها مراحل, لا تكاد تخلو مرحلة منها من المشقة والجهد والعنت, ورغم ذلك فإن السعادة والحُبور لا تكادان تفارقان الزوجين بضيفهما القادم الجديد، فيعملان على رعايته، ويحرصان على حياته، يرونه كل يوم وهو ينمو كما تنمو الزهرة, يوماً بعد يوم حتى يشب .
فيعيشان خلاف ما كانا عليه في الزمن القريب, إن تألمَ! تألما لأجله, وإن بكى! كفكفا دمعه, وسهرا على راحته، وإن جاع منعا نفسيهما الطعام ليطعماه, حتى وإن ناما طاويين لأجله, وإن أصابه مكروه أسرعا به إلى الطبيب لمعالجته, حتى ينمو شيئا فشيئا, ويوماً فيوماً, يرونه وهو يكبر أمامهما، يحزنان لحزنه, ويفرحان بفرحة.
ثم لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة بدخوله الروضة أو البستان، ثم الإبتدائي, فالإعدادي, فالثانوي, هذا يُدرسُه ويُعلمه، وذاكَ يلاعبه ويلاطفه, وتلك ترعاه وتحفظه, من أهله وأقرب المقربين إليه .
وإن أكرمهما المولى بشقيق آخر له فلن تكون رعايته على حسابه أبدا, وهكذا دواليكَ مهما بلغ الأولاد من العدد, فالوالد يتولى الإنفاق تماماً كما فعل مع الأول فالأول سواء بسواء, حتى آخر مولود, وربما يكون عاملا أو موظفاً, وعلى الرغم من ذلك فإنه ومهما ثقل عليه الحمل لا يبخل على أيٍّ منهم أبدا .
فالوالد ومنذ كان ولده نطفة فعلقة فمضغة وهو ينفق عليه, وهذا دأبُه في تنقل طفله من مرحلة إلى أخرى, يقطع عن فيه ليرضيه، وهكذا دواليك.
نعم, يسهران ولا ينامان, يوصلان ليلهما بنهارهما سعياً لراحته, وطلباً لسعادته .
فالوالد ينفق كل ماله على أولاده وهو فرحٌ مسرور، حتى وإن ازداد ثقل الحمل عليه يوماً بعد يوم حتى يكبر الرضيع, ويصبو, ويرشدَ, ويشبُّ, إلى أن يصير شاباً يافعا .
ثم لتزداد النفقة بعد ذلك إن كان الولد مميَّزا في عقلهِ, مبدعاً في علمه.
فيدخل الجامعة. وهنا يزداد الحمل, ويكثرُ العَوز, فلا يُشعرانه ولا يخبرانه, ويكتمان عنه همهما وما هم فيه من ضيق اليد وقلة الحيلة.
وهنا تبدأ المرحلة التي لم تكن يوماً بالحسبان !
فهذا الصبي وقد نما, وشبَّ, وكبر, وكبرَ معه الحملُ وازداد المصروف وكثرت النفقة، شب حتى شاب, وهو يدرس لينال أعلى الدرجات, وليتفوق على أقرانه، وليبدع أيُّما إبداع, ولكن ... يقف هذا الحبيب حائراً بين أمرين أحلاهما مُر!
أولهما : أن والديه ليسا من أهل المناصب, وليس لهم واسطة, ولن يرشوا وسيطاً, وخاصة إن كانا مسلمين ملتزمين, فيضيع ولديهما ما بين ذهاب وإياب، وإن كان ابنهما من حملة الدعوة فإنه يموت في كل يوم مئة مرةٍ وهو حي، يحيا على أمل الحصول على وظيفة, أو تراه على الأرصفه ! ينتظر التعيين الذي لن يأتيَ حتى ولو بعد حين, فيضيع هذا المبدع بين الإنتظار وانتظار الإنتظار! ولا حظ له في هذا الإنتظار.
فيكون مقتلا لوالديه وهما يريانه قد انكمش وأصابه الهُزال، وأعياه الإنتظار, وأتعبه السؤال !؟
يتبع الجزء الثاني بإذن الله
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( يا أيها الناسُ اتقوا ربكُمُ الذي خلقكُم من نفس ٍواحدةِ, وخلقَ منها زوجَهَا, وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً, واتقوا اللهَ الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ, إن اللهَ كانَ عليكم رقيباً {1} ) النساء .
ويقولُ الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
الإخوة الكرام, الأخوات الكريمات : إن مما يثلج الصدر, ويثبت الفؤاد, ويملأ النفس طمأنينة, والقلب سعادة وسكينة, أن يلتزمَ المسلم بأمر الله تبارك وتعالى, وأن يقتفي أثر النبي الهادي عليه السلام .
فالزواج فطرة إنسانية, يقبلُ عليها المسلم فتطمئن بذلك نفسُه, حتى وهو يحملُ أمانة المسؤولية تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية, والحفاظ على النسل البشري. وصدق الله العلي العظيم إذ يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها, لا تبديل لخلق الله, ذلك الدين القيم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون{30} ) الروم .
لذلك فإنه يظهرُ ومنذ اليوم الأول لزواج العروسين حرصهما على التناسل والتكاثر امتثالا لهدي الرسول الكريم عليه السلام وقد قال : ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزَّ وجل خيراً له من زوجة صالحة, إن أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) .
وقال : ( الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة ).
وتحقيقاً لإشباع غريزة النوع, فيعملان جاهدين لتحقيق هذه الغاية، وما أن تظهر أعراض الحمل حتى تفوق سعادتهما الوصف, فيحرصان على راحة الجنين وسلامته, ويحملانه على أكف الراحة حتى قبل أن يرى النور.
فإذا جاء اليوم الموعود, والمولد المشهود, وبعد أن تكون الأم قد لاقت من الآلام ما لاقت من سهر الليالي، والآم الحمل والمخاض والوضع, فإنها وبمجرد سماعها لبكاء وليدها تنسى كل آلامها, وتغمرها سعادة غامرة .
هذه هي المرحلة الأولى على طريق الرعاية والعناية .
ثم لتبدأ بعدها مراحل تتبعها مراحل, لا تكاد تخلو مرحلة منها من المشقة والجهد والعنت, ورغم ذلك فإن السعادة والحُبور لا تكادان تفارقان الزوجين بضيفهما القادم الجديد، فيعملان على رعايته، ويحرصان على حياته، يرونه كل يوم وهو ينمو كما تنمو الزهرة, يوماً بعد يوم حتى يشب .
فيعيشان خلاف ما كانا عليه في الزمن القريب, إن تألمَ! تألما لأجله, وإن بكى! كفكفا دمعه, وسهرا على راحته، وإن جاع منعا نفسيهما الطعام ليطعماه, حتى وإن ناما طاويين لأجله, وإن أصابه مكروه أسرعا به إلى الطبيب لمعالجته, حتى ينمو شيئا فشيئا, ويوماً فيوماً, يرونه وهو يكبر أمامهما، يحزنان لحزنه, ويفرحان بفرحة.
ثم لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة بدخوله الروضة أو البستان، ثم الإبتدائي, فالإعدادي, فالثانوي, هذا يُدرسُه ويُعلمه، وذاكَ يلاعبه ويلاطفه, وتلك ترعاه وتحفظه, من أهله وأقرب المقربين إليه .
وإن أكرمهما المولى بشقيق آخر له فلن تكون رعايته على حسابه أبدا, وهكذا دواليكَ مهما بلغ الأولاد من العدد, فالوالد يتولى الإنفاق تماماً كما فعل مع الأول فالأول سواء بسواء, حتى آخر مولود, وربما يكون عاملا أو موظفاً, وعلى الرغم من ذلك فإنه ومهما ثقل عليه الحمل لا يبخل على أيٍّ منهم أبدا .
فالوالد ومنذ كان ولده نطفة فعلقة فمضغة وهو ينفق عليه, وهذا دأبُه في تنقل طفله من مرحلة إلى أخرى, يقطع عن فيه ليرضيه، وهكذا دواليك.
نعم, يسهران ولا ينامان, يوصلان ليلهما بنهارهما سعياً لراحته, وطلباً لسعادته .
فالوالد ينفق كل ماله على أولاده وهو فرحٌ مسرور، حتى وإن ازداد ثقل الحمل عليه يوماً بعد يوم حتى يكبر الرضيع, ويصبو, ويرشدَ, ويشبُّ, إلى أن يصير شاباً يافعا .
ثم لتزداد النفقة بعد ذلك إن كان الولد مميَّزا في عقلهِ, مبدعاً في علمه.
فيدخل الجامعة. وهنا يزداد الحمل, ويكثرُ العَوز, فلا يُشعرانه ولا يخبرانه, ويكتمان عنه همهما وما هم فيه من ضيق اليد وقلة الحيلة.
وهنا تبدأ المرحلة التي لم تكن يوماً بالحسبان !
فهذا الصبي وقد نما, وشبَّ, وكبر, وكبرَ معه الحملُ وازداد المصروف وكثرت النفقة، شب حتى شاب, وهو يدرس لينال أعلى الدرجات, وليتفوق على أقرانه، وليبدع أيُّما إبداع, ولكن ... يقف هذا الحبيب حائراً بين أمرين أحلاهما مُر!
أولهما : أن والديه ليسا من أهل المناصب, وليس لهم واسطة, ولن يرشوا وسيطاً, وخاصة إن كانا مسلمين ملتزمين, فيضيع ولديهما ما بين ذهاب وإياب، وإن كان ابنهما من حملة الدعوة فإنه يموت في كل يوم مئة مرةٍ وهو حي، يحيا على أمل الحصول على وظيفة, أو تراه على الأرصفه ! ينتظر التعيين الذي لن يأتيَ حتى ولو بعد حين, فيضيع هذا المبدع بين الإنتظار وانتظار الإنتظار! ولا حظ له في هذا الإنتظار.
فيكون مقتلا لوالديه وهما يريانه قد انكمش وأصابه الهُزال، وأعياه الإنتظار, وأتعبه السؤال !؟
يتبع الجزء الثاني بإذن الله