عافيتك أوسع لي"
مواضيع مختلفة في التربية : بعض الحكم العطائية 1 / 3 ،
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علمًا ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ؛ انطلاقاً من قول الله عز وجل :
الحكمة أن تعرف الحقيقة ! والحكمة أن تعرف سرّ وجودك وأن تعرف لماذا أنت في الدنيا ، وأن تتاجر مع الله ، وأن تكسب الدار الآخرة ، وأن تزكي نفسك ، وأن تسعد بربك ، كلمة جامعة مانعة ، ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
فلو ملكت البلاد وجاءك ملك الموت فلابد من مفارقة الدنيا .
ولذلك فإنَّ الأنبياء كُتِب عليهم الموت ، وإنّ المؤمنين والكفار كتب عليهم الموت ، لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير، فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
لقد اشتهر في العالم الإسلامي الحكم العطائية ، وهي في الحقيقة من أجَلِّ الحِكَم ، وقد درّستها قبل سنوات عديدة ، وأخ كريم تمنى علي أن نقف وقفة عند بعض حكم ابن عطاء الله السكندري ، الحقيقة أنّي تصفحت هذه الحكم ، واخترت لكم بعضها ، وبعض قوله :
"هذه الحكم بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ".
فالإنسان تعتريه أحوال ، وفي بعض الأحيان يشعر بانشراح وامتداد وسرور وطمأنينة ، والحديث عن المؤمنين ، وعن طلاب العلم ، عمن يطلب ويرجو الله واليوم الآخر ، فأنا أخاطب طلاب علم ، وأخاطب رواد مسجد ، و أخاطب أناسًا إن شاء الله لهم باع طويل في معرفة الله ، فالحديث ليس عاماً ، بل هو خاص بالمؤمنين ، ففي بعض الأحيان تشعر بانشراح وامتداد وتألق وطمأنينة وسعادة ، وأنتَ أنتْ ، وأنت مستقيم ، وتؤدِّي عباداتك كلها ، وأنت وقّاف عند كتاب الله، وأنت مطبق لمنهج الله تشعر بالقبض فما الذي حصل ؟ الذي حصل هو أن الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين ، فلو أن هذا الانبساط استمر ، فالانبساط من لوازمه أن تضعف عبادة الإنسان ، وأن تضعف همته ، وأن يكسل عن بعض الطاعات ، ويأتي الانقباض .
فالله عز وجل يتجلَّى تارة باسم الجليل فتنقبض ، ويتجلى تارة باسم الجميل فتنشرح ، فقد يأتي القبض ، وقد يأتي البسط ، والحقيقة أن الله عز وجل يريدك أن تكون معه ، لا أن تكون عبدًا للأحوال ، فيجب أن تقدم له الأعمال ، أمّا الأحوال فمرَغِّبة معينة أحياناً ، ولكن ليست مقياساً ، والعلم حَكَم على الحال ، فبسطك كي لا يبقيك مع القبض ، فالله حكيم ، ولو استمر القبضُ لضجر الإنسانُ ، يأتي القبض فيضيق الإنسانُ به ذرعاً ، فيأتي البسط فيرتاح ، ولو استمر البسط نحن لسنا كالصادقين والأنبياء المقربين لا ، فنحن حينما نرتاح نضعف ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل حتى تتورم قدماه ! ويمضي النهار في الدعوة إلى الله .
فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا *
فأحدنا إذا عمل عملاً صالحاً ، أولاً يعلن عنه كثيراً ، ويملأ الدنيا صخباً ، ثم يرتاح بعدها راحة عفوية ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد النهار ويجهد الليل ويقول : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " فربنا عز وجل يعالجنا بالقبض والبسط ، فإذا تبحبحنا يأتي القبض ، وإذا كدنا نيأس يأتي البسط ، أنت ما مهمتك ؟ مهمتك أن تعبده وأن تدع أمر القبض والبسط إليه ، والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول :
فهذه مهمتك ، ارتَحْ وأَرِحْ ، فأنا عليّ أن أطيعه ، وهو ليفعل بي ما يشاء ، فهو رحيم وحكيم وعليم وقدير ، وأنا علي أن أطيعه ، وتمثلوا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف :
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك "
ولا يوجد كلام أروع ولا أدق ولا أجمل ولا أعبق ولا أكثر أدبًا مع الله عز وجل من هذا الكلام ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولكن
مواضيع مختلفة في التربية : بعض الحكم العطائية 1 / 3 ،
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علمًا ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ؛ انطلاقاً من قول الله عز وجل :
(سورة البقرة)
الحكمة أن تعرف الحقيقة ! والحكمة أن تعرف سرّ وجودك وأن تعرف لماذا أنت في الدنيا ، وأن تتاجر مع الله ، وأن تكسب الدار الآخرة ، وأن تزكي نفسك ، وأن تسعد بربك ، كلمة جامعة مانعة ، ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
(سورة النساء)
فلو ملكت البلاد وجاءك ملك الموت فلابد من مفارقة الدنيا .
ولذلك فإنَّ الأنبياء كُتِب عليهم الموت ، وإنّ المؤمنين والكفار كتب عليهم الموت ، لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير، فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
لقد اشتهر في العالم الإسلامي الحكم العطائية ، وهي في الحقيقة من أجَلِّ الحِكَم ، وقد درّستها قبل سنوات عديدة ، وأخ كريم تمنى علي أن نقف وقفة عند بعض حكم ابن عطاء الله السكندري ، الحقيقة أنّي تصفحت هذه الحكم ، واخترت لكم بعضها ، وبعض قوله :
"هذه الحكم بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ".
فالإنسان تعتريه أحوال ، وفي بعض الأحيان يشعر بانشراح وامتداد وسرور وطمأنينة ، والحديث عن المؤمنين ، وعن طلاب العلم ، عمن يطلب ويرجو الله واليوم الآخر ، فأنا أخاطب طلاب علم ، وأخاطب رواد مسجد ، و أخاطب أناسًا إن شاء الله لهم باع طويل في معرفة الله ، فالحديث ليس عاماً ، بل هو خاص بالمؤمنين ، ففي بعض الأحيان تشعر بانشراح وامتداد وتألق وطمأنينة وسعادة ، وأنتَ أنتْ ، وأنت مستقيم ، وتؤدِّي عباداتك كلها ، وأنت وقّاف عند كتاب الله، وأنت مطبق لمنهج الله تشعر بالقبض فما الذي حصل ؟ الذي حصل هو أن الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين ، فلو أن هذا الانبساط استمر ، فالانبساط من لوازمه أن تضعف عبادة الإنسان ، وأن تضعف همته ، وأن يكسل عن بعض الطاعات ، ويأتي الانقباض .
فالله عز وجل يتجلَّى تارة باسم الجليل فتنقبض ، ويتجلى تارة باسم الجميل فتنشرح ، فقد يأتي القبض ، وقد يأتي البسط ، والحقيقة أن الله عز وجل يريدك أن تكون معه ، لا أن تكون عبدًا للأحوال ، فيجب أن تقدم له الأعمال ، أمّا الأحوال فمرَغِّبة معينة أحياناً ، ولكن ليست مقياساً ، والعلم حَكَم على الحال ، فبسطك كي لا يبقيك مع القبض ، فالله حكيم ، ولو استمر القبضُ لضجر الإنسانُ ، يأتي القبض فيضيق الإنسانُ به ذرعاً ، فيأتي البسط فيرتاح ، ولو استمر البسط نحن لسنا كالصادقين والأنبياء المقربين لا ، فنحن حينما نرتاح نضعف ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل حتى تتورم قدماه ! ويمضي النهار في الدعوة إلى الله .
فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا *
(صحيح مسلم)
فأحدنا إذا عمل عملاً صالحاً ، أولاً يعلن عنه كثيراً ، ويملأ الدنيا صخباً ، ثم يرتاح بعدها راحة عفوية ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد النهار ويجهد الليل ويقول : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " فربنا عز وجل يعالجنا بالقبض والبسط ، فإذا تبحبحنا يأتي القبض ، وإذا كدنا نيأس يأتي البسط ، أنت ما مهمتك ؟ مهمتك أن تعبده وأن تدع أمر القبض والبسط إليه ، والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول :
(سورة الزمر)
فهذه مهمتك ، ارتَحْ وأَرِحْ ، فأنا عليّ أن أطيعه ، وهو ليفعل بي ما يشاء ، فهو رحيم وحكيم وعليم وقدير ، وأنا علي أن أطيعه ، وتمثلوا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف :
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك "
(الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر )
ولا يوجد كلام أروع ولا أدق ولا أجمل ولا أعبق ولا أكثر أدبًا مع الله عز وجل من هذا الكلام ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولكن