يحكى أن ملكا أراد أن يختبر أبناءه ،فأعطى كل واحد منهم حمامة وطلب أن يذبحوا تلك الحمامة في مكان لا يراهم فيه أحد ، فعاد الجميع وقد ذبح حمامته ، ما عدا أصغرهم جاء والحمامة بين يديه حيه ترزق ، فلما سأله والده عن ذلك قال: يا أبت ، لم أجد مكانا إلا ويراني الله فيه .
هذه اليقظة الضميرية التي تتجلى في جواب الابن ، وهذا الإحساس بمراقبة الله تعالى هو المرتكز الأساسي الذي تبنى عليه كل تربية سليمة جادة ، وهو صمام الأمان الذي يحفظ النفس من تقلبات الحياة ومفاتنها ، في الوقت الذي تتعالى فيه صرخات الأسر لعجزها عن مراقبة تصرفات الأبناء ، وخوفها الشديد من الانفلات والضياع اللذان يتربصان بهذا الجيل .
لذلك كانت التربية منذ الصغر على مبدأ الرقابة الذاتية ، وتدريب الأبناء عليها ، من أقوى السبل للوقاية من المتغيرات الثقافية والمجتمعية التي تحيط بهم ، فحين يغرس في الأبناء معنى قوله تعالى ( ألم يعلم بأن الله يرى ) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) سيدرك الابن أنه مهما اختبأ من عيون البشر أو حاول أن يداري الحقيقة ، فإن الله يراه ويسمعه ويعرف سره قبل جهره ، فتخاف عيناه أن تبصر الفاحشة ، و تخاف أذناه أن تسمع البذيء ، وتخاف رجلاه أن تمشي إلى باطل ، وتخاف يداه أن تبطش وتفسد وتؤذي ، وتصبح جميع تصرفاته محاطة بجناحين أولهما الرغبة في الأجر وثانيهما الخوف من العقاب .
بهذا المفهوم الإيماني العميق تتأصل في نفسية الابن معنى الرقابة الذاتية ، ويعلم بأنها ليست رقابة خارجية ملموسة بقدر ما هي رقابة داخلية منشؤها الضمير الحي والنفس اللوامة ، واستشعار معية الله تعالى في كل السكنات والخلجات ، ويدرك أيضا أن الثقة المعطاة له من الوالدين تفرض عليه الانضباط والالتزام ، وأن الحرية والاستقلالية التي يطلبها تحتم عليه أن يكون كفؤا لتحمل مسؤولية تصرفاته وقراراته ، وبالتالي يصبح المعيار الذي تقاس فيه صلاحية الأعمال عنده أعظم وأقوى من معيار العادات والعيب .. إنه معيار العقيدة الصحيحة والارتباط الوجداني بالله عز وجل .
إننا اليوم لأحوج ما نكون إلى استشعار الرقابة في حياتنا ، في ظل هذا الانفتاح المجتمعي ، بكل ما فيه من مغريات تدفع الإنسان دفعا إلى استسهال الفساد والغوص في مستنقعه ، بل وكأن الفساد ليأتي بالمجان إلى داخل البيوت ، فتتساقط أمامه كل نفس ضعيفة تخشى الناس ولا تخشى الله .
نحن نريد أن تتحول الرقابة من مفهومها السلبي الذي يرتبط بمراقبة الناس لبعضهم البعض ، وترصد الحركات لتصيد الأخطاء وما يصاحب ذلك من اعتراض ونفور وتهرب وتحايل على القانون ، إلى مفهوم الرقابة الإيجابي ، حين يكون الإنسان رقيبا على نفسه وتصرفاته ، و يمارس تلك الرقابة بكامل حريته وإرادته ويستشعر السعادة حين يهزم شيطانه ويتغلب على أهوائه مستحضرا الخوف من الله لا الخوف من البشر .
في إحدى المقابلات الصحفية مع أسطورة الملاكمة (محمد علي كلاي) قال : إنني أحتفظ بعلبة أعواد الثقاب في جيبي ، وعندما أذهب إلى الحفلات والمناسبات ، أتلمس جيبي لأتأكد من وجود العلبة فيه ، وفي الحفل قد أقابل سيدة تحاول التودد إلي وهذا غير مقبول في الدين الإسلامي ، فانتزع عود الثقاب من جيبي وأشعل عودا وأمسكه من الطرف المشتعل بين أصابعي ، فأصرخ من الألم وأقول في نفسي : إن نار جهنم أحمى من هذا الثقاب بكثير ، فأعود إلى رشدي وأصد الفتاة بأدب ، فالتعاليم الإسلامية تدعونا إلى التعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن .
حين ترتبط النفوس بالله تعالى ، سوف يصدق ظاهرها مع باطنها ، و يتلاشى ذلك التناقض الذي بدأ يظهر في كثير من الشخصيات ، فالعبادة ليست مجرد حركات جسدية أو تراتيل تدندن في المواسم الدينية ، أو قناع يلبسه المرء حتى يصفق له الآخرون وينعتونه بالمصلح والمثقف ، حتى إذا ما عاد إلى بيته تحول إلى شخص مهلهل العبادات ، سيء الخلق ، مستبيح لحرمات الله ، متناسيا بأن ( الله يرى ) ، وكما يقول محمد الغزالي رحمه الله في كتابه كنوز من السنة : ( الشخص الذي يحسن العمل مع الناس ويسيئه وحده ، رجل سوء لا يستحي من ربه ولا يوجل ه مراقبته (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا )).
نريد أن تتجلى الرقابة عند الإنسان حين يسافر بعيدا عن أرضه وأهله وعيون من يعرفوه ، فيأتيه الباطل بكل زينته ويغريه بالانحراف ، فيتذكر بأن ( الله يرى ) ..
ونريد أن تتجلى الرقابة الذاتية حين يكون في عمله وبين يديه مال عام أو معاملة لإنسان محتاج ، فتحدثه نفسه بأن يغترف لنفسه نصيبا من الحرام فالكل يسرق ، أو يهرب لساعات من عمله في غفلة من الرئيس ، ليتابع أسهمه و مضارباته المالية ، معطّلا مصالح الآخرين ، بحجة أن الكل يفعل ذلك ، فيتوقف ..و يتذكر ( بأن الله يرى ) .
ونريد أن تتجلى الرقابة الذاتية في واقع يفرض تعامل الرجل مع المرأة في ميدان العمل وأصبح الاحتكاك بينهما أمرا لا يمكن تجاهله ، فيضبط الطرفان تصرفاتهما بضابط الرقابة الذاتية ، فلا يتبسطان في حديث ولا يجلسان في خلوة ، ولا يخوضان في خصوصيات أو أعراض الآخرين ، متذكران قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا )
النفس الإنسانية كثيرا ما تتقلب بين شهوات وطلبات وضعف بشري (( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )) لذلك ما أحوجنا إلى استشعار رقابة الله في حركاتنا ، وأن تنطلق هذه الرقابة من قناعة ذاتية ، حتى تتربى فينا قوة الإرادة ، وصدق النيات ، وإخلاص العمل ، والقدرة على قيادة النفس ، وكما يقال ( لن تستطيع أن تقود الآخرين حتى تقود نفسك ) ،
و ما أجملها تلك النفوس المرتبطة بالله في كل سكناتها ، وما أجمله ذلك المجتمع الذي يعيش أفراده بضمائر حية ، واضعين أمام أعينهم قوله تعالى : (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) .
هذه اليقظة الضميرية التي تتجلى في جواب الابن ، وهذا الإحساس بمراقبة الله تعالى هو المرتكز الأساسي الذي تبنى عليه كل تربية سليمة جادة ، وهو صمام الأمان الذي يحفظ النفس من تقلبات الحياة ومفاتنها ، في الوقت الذي تتعالى فيه صرخات الأسر لعجزها عن مراقبة تصرفات الأبناء ، وخوفها الشديد من الانفلات والضياع اللذان يتربصان بهذا الجيل .
لذلك كانت التربية منذ الصغر على مبدأ الرقابة الذاتية ، وتدريب الأبناء عليها ، من أقوى السبل للوقاية من المتغيرات الثقافية والمجتمعية التي تحيط بهم ، فحين يغرس في الأبناء معنى قوله تعالى ( ألم يعلم بأن الله يرى ) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) سيدرك الابن أنه مهما اختبأ من عيون البشر أو حاول أن يداري الحقيقة ، فإن الله يراه ويسمعه ويعرف سره قبل جهره ، فتخاف عيناه أن تبصر الفاحشة ، و تخاف أذناه أن تسمع البذيء ، وتخاف رجلاه أن تمشي إلى باطل ، وتخاف يداه أن تبطش وتفسد وتؤذي ، وتصبح جميع تصرفاته محاطة بجناحين أولهما الرغبة في الأجر وثانيهما الخوف من العقاب .
بهذا المفهوم الإيماني العميق تتأصل في نفسية الابن معنى الرقابة الذاتية ، ويعلم بأنها ليست رقابة خارجية ملموسة بقدر ما هي رقابة داخلية منشؤها الضمير الحي والنفس اللوامة ، واستشعار معية الله تعالى في كل السكنات والخلجات ، ويدرك أيضا أن الثقة المعطاة له من الوالدين تفرض عليه الانضباط والالتزام ، وأن الحرية والاستقلالية التي يطلبها تحتم عليه أن يكون كفؤا لتحمل مسؤولية تصرفاته وقراراته ، وبالتالي يصبح المعيار الذي تقاس فيه صلاحية الأعمال عنده أعظم وأقوى من معيار العادات والعيب .. إنه معيار العقيدة الصحيحة والارتباط الوجداني بالله عز وجل .
إننا اليوم لأحوج ما نكون إلى استشعار الرقابة في حياتنا ، في ظل هذا الانفتاح المجتمعي ، بكل ما فيه من مغريات تدفع الإنسان دفعا إلى استسهال الفساد والغوص في مستنقعه ، بل وكأن الفساد ليأتي بالمجان إلى داخل البيوت ، فتتساقط أمامه كل نفس ضعيفة تخشى الناس ولا تخشى الله .
نحن نريد أن تتحول الرقابة من مفهومها السلبي الذي يرتبط بمراقبة الناس لبعضهم البعض ، وترصد الحركات لتصيد الأخطاء وما يصاحب ذلك من اعتراض ونفور وتهرب وتحايل على القانون ، إلى مفهوم الرقابة الإيجابي ، حين يكون الإنسان رقيبا على نفسه وتصرفاته ، و يمارس تلك الرقابة بكامل حريته وإرادته ويستشعر السعادة حين يهزم شيطانه ويتغلب على أهوائه مستحضرا الخوف من الله لا الخوف من البشر .
في إحدى المقابلات الصحفية مع أسطورة الملاكمة (محمد علي كلاي) قال : إنني أحتفظ بعلبة أعواد الثقاب في جيبي ، وعندما أذهب إلى الحفلات والمناسبات ، أتلمس جيبي لأتأكد من وجود العلبة فيه ، وفي الحفل قد أقابل سيدة تحاول التودد إلي وهذا غير مقبول في الدين الإسلامي ، فانتزع عود الثقاب من جيبي وأشعل عودا وأمسكه من الطرف المشتعل بين أصابعي ، فأصرخ من الألم وأقول في نفسي : إن نار جهنم أحمى من هذا الثقاب بكثير ، فأعود إلى رشدي وأصد الفتاة بأدب ، فالتعاليم الإسلامية تدعونا إلى التعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن .
حين ترتبط النفوس بالله تعالى ، سوف يصدق ظاهرها مع باطنها ، و يتلاشى ذلك التناقض الذي بدأ يظهر في كثير من الشخصيات ، فالعبادة ليست مجرد حركات جسدية أو تراتيل تدندن في المواسم الدينية ، أو قناع يلبسه المرء حتى يصفق له الآخرون وينعتونه بالمصلح والمثقف ، حتى إذا ما عاد إلى بيته تحول إلى شخص مهلهل العبادات ، سيء الخلق ، مستبيح لحرمات الله ، متناسيا بأن ( الله يرى ) ، وكما يقول محمد الغزالي رحمه الله في كتابه كنوز من السنة : ( الشخص الذي يحسن العمل مع الناس ويسيئه وحده ، رجل سوء لا يستحي من ربه ولا يوجل ه مراقبته (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا )).
نريد أن تتجلى الرقابة عند الإنسان حين يسافر بعيدا عن أرضه وأهله وعيون من يعرفوه ، فيأتيه الباطل بكل زينته ويغريه بالانحراف ، فيتذكر بأن ( الله يرى ) ..
ونريد أن تتجلى الرقابة حين يغلق عليه باب غرفته ويجلس أمام التلفاز أو الانترنت ، فتمتد يده لتتصفح موقع خبيثا أو تشاهد قناة تستعرض الأجساد .. فيعلم ( بأن الله يرى) ..
ونريد أن تتجلى الرقابة الذاتية حين يكون في عمله وبين يديه مال عام أو معاملة لإنسان محتاج ، فتحدثه نفسه بأن يغترف لنفسه نصيبا من الحرام فالكل يسرق ، أو يهرب لساعات من عمله في غفلة من الرئيس ، ليتابع أسهمه و مضارباته المالية ، معطّلا مصالح الآخرين ، بحجة أن الكل يفعل ذلك ، فيتوقف ..و يتذكر ( بأن الله يرى ) .
ونريد أن تتجلى الرقابة الذاتية في واقع يفرض تعامل الرجل مع المرأة في ميدان العمل وأصبح الاحتكاك بينهما أمرا لا يمكن تجاهله ، فيضبط الطرفان تصرفاتهما بضابط الرقابة الذاتية ، فلا يتبسطان في حديث ولا يجلسان في خلوة ، ولا يخوضان في خصوصيات أو أعراض الآخرين ، متذكران قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا )
النفس الإنسانية كثيرا ما تتقلب بين شهوات وطلبات وضعف بشري (( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )) لذلك ما أحوجنا إلى استشعار رقابة الله في حركاتنا ، وأن تنطلق هذه الرقابة من قناعة ذاتية ، حتى تتربى فينا قوة الإرادة ، وصدق النيات ، وإخلاص العمل ، والقدرة على قيادة النفس ، وكما يقال ( لن تستطيع أن تقود الآخرين حتى تقود نفسك ) ،
و ما أجملها تلك النفوس المرتبطة بالله في كل سكناتها ، وما أجمله ذلك المجتمع الذي يعيش أفراده بضمائر حية ، واضعين أمام أعينهم قوله تعالى : (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) .