وقفة تأمل... في حال الممــات
إخوتي هل وقفنا لحظة تأمل في أحوال الموتى ومماتهم؟!! عجيبة هي الأقدار –ولله في ذلك حكمة- فترى المريض في فراشة يصارع الألم يرتقب الممات ولم تحن ساعة أجله بعد!! وترى الصحيح تفاجئه المنية فيما هو مغرور مسوف يطمع بطول الأمل!!
وقفة تأمل في حال إنسان أتته المنية وهو بين أحضان الغانيات، وآخر أتته المنية وهو قانت بين يدي ربه يرجوا رحمته ويخاف عذابه!! شتان بين من أتته المنية وهو عاقٌ لوالديه ومن هو يشري رضوان ربه برضا والديه!! شتان بين من أتته المنية وهو مولياً يوم الزحف وبين من يتخضب بدمائه العطرة في ساح الجهاد تستعجل روحه الحور العين للجنان!!
وقفة تأمل في حال من تبع هواه الضال، فضل ورضي بإتباع إبليس في غواه وبصحبته له في جهنم!!
وقفة تأمل في حال من تبع هدى الله، ورضي بصحبت وإتباع محمد –صلى الله عليه وسلم-، وتاقت نفسه لرؤية وجه الله تعالى في الجنان!!
وقفة تأمل في حال من أختار لنفسه سوء الخاتمة... وفي حال من أختار لنفسه حسن الخاتمة والحشر!!
عجباً كيف يقف الإنسان عاجز عن صد هواه والصبر على رضوان الله!! عجباً كيف يغتر الإنسان بطول الأمل ويظن أن ساعة الأجل بعيدة الأمد!!
وآ أسفاه على شاب ظن أن لديه متسع للمتاب قبل الممات، ورضي لنفسه الغرق في المعاصي والضلال، فهو على حاله تلك حتى تأتيه المنية بغتة فلا ينفعه ما قدم وما أكتسب، ماذا كان ينتظر؟ أولم يمد الله في عمره وآته من الآيات ما قد تنبهه وتوقظه من غفلته؟!! هل كان ينتظر أن يقال له "آلآن وقد عصيت"؟!! هل ظن أنه بعيد عن أصحاب الضلال في نارهم حين يقولون: "قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {107}"- سورة المؤمنون؟!! فما ظنكم بجواب سؤالهم هذا حينها؟ "قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ {108}" –سورة المؤمنون!! فأين هو عن غفلته تلك؟
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ {115}" –سورة المؤمنون!!
ولله در شاب ظن أنه ملاقيٍ لربه، فنفسه تواقة لرضوانه!! فنشأ في رضوان الله وتربى في كنفه وتذاكر كتابه، فأحب لقاء الله، فحب الله لقاءه، فحسن خاتمته!! لله دره هل كان همه زينة المال وأتباع الشهوات؟ لله دره هل كان يطمح لنيل الدنيا وما فيها من نعيم زائل؟؟ كلا، بل كان في نصب عينيه هذه الآيات: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14} قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {15} الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {16} الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ {17}" – سورة آل عمران!! فهو في رضوان من الله ما كان في تقوى وعبادة ورغبة لما عند الله من نعيم ورهبة لما عند الله من عذاب أليم!!
هل يستويان؟!! هل يستوي من تخطفه كلاليب جهنم، ومن تستعجله وتناديه الحور في الجنان؟!! هل يستوي من أختار العصاة والفساق صحبته في جهنم والشيطان قائده، ومن كان الأخيار والعباد رفقته للجنان والحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم- قدوته؟!!
هل يستويان؟!! هل يستوي من أختار أن يضيق عليه قبره، ومن رغب بأن يمد له في قبره؟!! هل يستوي من كان الله أهون الناظرين إليه، ومن تيقن أن الله سميع بصير؟!!
من منا يعلم ما ستكون خاتمة وعلى أي حالة سيكون حين مماته؟ حقيقة يجب أن ندركها ونعيها، نحن في نعمة في هذه اللحظة الآن، وما مضى ما عسانا إلا أن نسأل الله العفو الغفران لما سؤنا وقبول عملنا إن أحسنا!! وما دمنا نملك هذه اللحظة التي نحن فيها فلما لا نجعلها لذكر الله تعالى وكذلك لتلك التي تليها إن أحيانا الله!
قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}"-سورة لقمان.
يقول صاحب الظلال: "... (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً) ماذا تكسب من خير وشر، ومن نفع وضر، ومن يسر وعسر، ومن صحة ومرض، ومن طاعة ومعصية. فالكسب أعم من الربح المالي وما في معناه؛ وهو كل ما تصيبه النفس في الغداة. وهو غيب مغلق، عليه الأستار. والنفس الإنسانية تقف أمام سدف الغيب، لا تملك أن ترى شيئا مما وراء الستار. وكذلك: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فذلك أمر وراء الستر المسبل السميك الذي لا تنفذ منه الأسماع والأبصار." ثم يضيف رحمه الله: "... وإن النفس البشرية لتقف أمام هذه الأستار عاجزة خاشعة، تدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود، وعجزها الواضح، ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدعاة. وتعرف أمام ستر الغيب المسدل أن الناس لم يؤتوا من العلم إلا قليلا؛ وأن وراء الستر الكثير مما لم يعلمه الناس. ولو علموا كل شيء آخر فسيظلون واقفين أمام ذلك الستر لا يدرون ماذا يكون غدا! بل ماذا يكون اللحظة التالية. وعندئذ تطامن النفس البشرية من كبريائها وتخشع لله...".
والسؤال هل يمكننا أختيار حلة الممات لأنفسنا؟!! هل نستطيع تقرير مصيرنا بحسن الخاتمة أو سوؤها؟!!
لا شك أنه صعب ومحال!! ولكن بإستطاعتنا الثبات على الحق المنير والدين القويم ومجاهدة النفس الطماعة وجعلها تواقة لرضوان الله... باستطاعتنا موصلة الذكر وعدم الإنقطاع وسؤال الله حسن الخاتمة والعياذ به من سوء الخاتمة... باستطاعتنا تذكير بعضنا ببعض بذكر الله تعالى والتناصح فيما بيننا بالخير والاستعانة ببعض لأداء الطاعات والفرائض!! وليكن دأبنا "أخي هلمَّ بنا نؤمن ساعة..." !!!
____________________________________
المراجع:
-القرآن الكريم
- "في ظلال القرآن الكريم" - سيد قطب
توقيع الفارس [/center]