عشرة أسرار ... في الإسراء والمعراج
عشرة أسرار ... في الإسراء والمعراج
عشرة أسرار ... في الإسراء والمعراج
1- الحصار
ثلاثة أعوام والمسلمون محاصرون والعقبات تحاصرهم؛ لا بيعَ ولا شراءَ ولا طعامَ ولا معاملة، ولكنَّ الفارق أنهم وجدوا مَن يفك حصارهم، ويُمزِّق القرارات الظالمة، وليس من المسلمين!
اليوم صرخات الأمة تنادي المسلمين بأن يفكوا حصار إخوانهم في فلسطين ولبنان والعراق والسودان وأفغانستان قائلةً: "أين القلوب الرقيقة؟! أين النفوس الشامخات؟! أين نخوة الرجال؟! أين العزة؟! أين القوة؟! أين الأخوة؟! أين الإيمان؟!.. فمَن يفك الحصار اليوم؟!".
2- سند البيت
كان النبي إذا دخل بيته وجد السند، وإذا خرج من بيته وجد السند؛ ففي البيت كانت خديجة، يقول ابن هشام: كانت وزيَر صدقٍ على الإسلام؛ يشكو الرسول إليها ويجد عندها أُنسه وسلواه، وذهبت كلماتها دافعةً للنبي- صلى الله عليه وسلم-: "امض، والله لا يخزيك الله أبدًا".
وهكذا يجب أن تكون بيوتنا في محنةِ اليوم؛ فإن كانت بلادنا تحت الحصار فبيوتنا محاصرةً بالأزماتِ والضائقاتِ والكآبات والمشكلات، ولا مخرجَ من هذه الضغوط إلا بما قدمته أم المؤمنين خديجة لرسول الله، فكوني أيتها الزوجة خديجة!، كُنَّ يا زوجات مثل أمنا،؛تحملن واصبرن، وتفاءلن وادفعن أزواجكن إلى الروحِ العاملة لا إلى الروح اليائسة، إلى الثقةِ والأملِ لا إلى السخط والتذمر، إلى العمل والسعي لا إلى القعود والكسل.
3- سند المجتمع
وفي خارج البيت كان سنده- صلى الله عليه وسلم- عمه أبو طالب، ولم يكن على دين محمد، ولكنه رفع راية المدافعة والمناصرة لمحمد، وراية المواجهة للمعتدين على محمد، وراية المحبة لأنصار محمد، معلنًا: اذهب، فوالله لا أُسلمك لشيء أبدًا.
وجاءت كلماته ترجمةً لأعماله، وأعماله ترجمة لكلماته، واليوم يدور في عقل الأمة سؤال: كيف نتخذ من المجتمع الدولي والمحلي سندًا لرسالةِ السماء؟!.. إنه بأمرين:
الأول: بالتفاعل مع مجتمعاتنا، بالمخالطةِ لا بالعزلة، بالمعايشة لا بالتقوقع، بالانخراط لا بالاستعلاء.
والثاني: بنشر الدعوةِ في المجتمع الدولي وتعريفه برسالة الإسلام، وإظهار جلال الدين في السماحة والتعاون والسلام والخير.
4- الإيذاء
وظلت قريش ترقب زوال السندين في أية لحظة، فمات أبو طالب، وبعده بشهر وخمسة أيام ماتت سيدة النساء خديجة، فمَن يخفف آلام محمد؟ ومَن يُواسي قلب محمد؟ ومَن يمسح أحزان محمد؟ ومَن يشد أزر محمد؟ ومَن يثبت موقف محمد؟ ومَن يدفع همة محمد؟
مات من جعلهما الله نصيرًا لمحمد من أهل الأرض، فهل يتخلى عنه رب الأرض والسماء؟! خاصةً أنه بعد موتهما اشتد الإيذاء بمحمد وصحبه!.
مات من جعلهما الله نصيرًا لمحمد من أهل الأرض، فهل يتخلى عنه رب الأرض والسماء؟! خاصةً أنه بعد موتهما اشتد الإيذاء بمحمد وصحبه!.
حتى يعترضه سفيهٌ من سفهاء قريش وينثر التراب على رأسه، ويدخل النبي بهذا الشكل، وتراه ابنته فتبكي وهي تغسل عنه التراب، ويرد عليها القلب الواثق، ويرد عليها الفؤاد الثابت، ويرد عليها الأمل المرتقب، وبلسان صادق قوي يقول: "لا تبكي يا بُنية؛ فإنَّ الله مانعٌ أباك".
لا تبكي أيتها الشعوب المستعبدة المحتلة اليوم! لا تبكي أيتها الشعوب المسلمة المعذبة اليوم! فإن الله مانع المجاهدين، فإن الله مانع المقاومين، فإن الله مانع العاملين، كيف بأمةٍ تجاوزت اليوم المليار ونصف المليار أن ترضى بالتفرج على تعذيبكم؟!
أصبحنا اليوم نتسلى بسماع الصرخاتِ من الأطفال والنساء! ونرفِّه عن أنفسنا بأنَّاتِ التعذيب! ونتمتع بالقتلى والأشلاء والدماء والجماجم.
ومن أمتنا مَن لا يُفكِّر في نصرةِ أمته، ومن أمتنا مَن لا يتفوه بكلمةِ حقٍّ واحدة، ومن أمتنا مَن لا يرضى إلا بالمشاهدة.. عار ثم عار ثم عار، يا أمة تزيد على المليار!!
5- لحظة الآخرة
ماذا بعد الحصار الدامي؟ ماذا بعد موت السندين؟ ماذا بعد التعذيب والإيذاء؟ هيَّا إلى أرضٍ جديدة، هيَّا إلى فكرةٍ جديدة، وحوَّل النبي الخاطر إلى واقع، والحلم إلى عمل، وذهب إلى الطائف يُبلِّغ عن ربه، وهنا تبدو للدعاةِ لحظة الآخرةِ المفتقدة، لا للتوقف رغم الحصار، لا للكسل رغم الممانعة، لا للقعود رغم الإيذاء، لا إجازةَ في دعوة الله، والله يدعونا إلى الجنة.
وذهب النبي إلى الطائف عساه أن يجد قلوبًا لينةً، ونفوسًا تقبل الحق، وعقولاً تستجيب للإيمان، وانطلق النبي ومعه هذه الحقائق، وفي روحه هذه الخواطر، وفي عقله هذه المعاني، ليقابل صفَّين من السفهاء والبلهاء والمرتزقة والمأجورين، يرمونه بالحجارةِ لا بالورود، يقذفونه بالحصوات لا بالزهرات، ونزفت الدماء من جسد النبي الكريم ومعه زيد بن ثابت يقيه الحجرات حتى أُصيب في رأسه عدة إصابات.
إلى مَن يلجأ نبينا بعد أن تنكَّرت له هذه الدنيا؟ إلى مَن يلجأ حبيبنا بعد أن أخذ بكل الأسباب واستجمع كل ما يملك؟ لا بد للخروج من لحظةِ الدنيا الزائلة إلى لحظةِ الآخرة الحقيقية.
بدموع ودماء، وبعرقٍ وعناء، بنبضاتٍ لاهثة، وزفرات متلاحقة، اتجه النبي إلى السماء، متضرعًا إلى الله: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تكلني؟! إلى بعيدٍ يتجهَّمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي.
أعوذ بنورِ وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك، أو أن يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله".