<BLOCKQUOTE>
</BLOCKQUOTE>
وُلد حسن بن الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي في بلدة المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة، في تشرين الأول (أكتوبر) 1906 وأخذ عن أبيه الكثير من العلوم الشرعية والعربية، كما أخذ منه الزهد والتقوى والذكاء والإيمان وإصلاح الساعات. شارك، وهو تلميذ ابن ثلاثة عشر عاماً، في ثورة 1919 من خلال المظاهرات، كما شارك في إنشاء عدد من الجمعيات التي تدعو إلى الفضيلة والأخلاق وتحارب المنكرات. أنهى دراسته الجامعية في (دار العلوم) في القاهرة عام 1927 وعُيّن معلماً للغة العربية في المدرسة الابتدائية الأميرية في الإسماعيلية، وبقي في هذه الوظيفة إلى أن استقال منها عام 1946م ليتفرغ للدعوة. ساعد في تأسيس جمعية الشبان المسلمين في القاهرة عام 1927م وفي آذار (مارس) 1928م أسس جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية التي كانت شبه مستعمرة لشركة قناة السويس. كان حسن البنا خطيباً مفوّهاً فيّاضاً، تدور آيات القرآن الكريم على لسانه، وكان كاتباً بليغاً، وأديباً متفنناً، وكان ذا عقلية تنظيمية فذة، يعمل في هدوء، ويبني في اطمئنان، واسع الأفق، رحب التفكير، عميق النظرات، ذا ثقة كبيرة في الله تعالى، وأمل عريض في انتصار دعوة (الحقّ والقوة والحرية) كما كان شجاعاً مقداماً في مواجهة المشكلات والشدائد، وله قدرة عجيبة في الإقناع، وكان أسلوبه في الحوار عفيفاً كريماً، بعيداً عن التجريح، وكان له من المرونة وسعة الصدر ما وسع الجميع من سائر الاتجاهات. وكان يأخذ الرجل من السلف بمجمل حياته، وليس بتفصيلاتها، ويبرز الجوانب المضيئة منها. بدأ دعوته بتعليم الناس، وبإعادة الثقة بأنفسهم إليهم، وبتعريفهم على حقوقهم وواجباتهم، وبإحياء معاني العزة والكرامة في نفوسهم، بأسلوب العالم الحكيم البصير بسياسة الناس، وتدبير شؤونهم، والقيام بمصالحهم، فاستجاب له مئات الألوف في سائر المدن والقرى والأرياف المصرية، واستطاع أن يؤاخي بينهم، ويؤلف بين صفوفهم، وينظمها تنظيماً لفت إليه الأنظار. وكان الإمام البنا حافظاً لكتاب الله منذ الصغر، فاهماً إياه، عارفاً سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، داعياً إليهما، محيطاً بالتاريخ، واعياً طبيعة الأحداث التي تجري في مجتمعه وفي الأوساط العربية والإسلامية والدولية، باذلاً ماله ووقته وجهده في سبيل دعوته وأمته، وكان ليّن الجانب، شديد التواضع، وكان في الذروة في ميزاته العقلية والذهنية، إذ بلغ فيها درجة لا تسامى خصوبة ذهن، وحدّة ذكاء، واتقاد قريحة، وقوة ذاكرة. وكان القرآن مدار حياة الرجل، ومدار عمله وحركته وتفكيره وسكونه، ومدار كلامه وسكوته، وهو دائرة آماله، ومرجعه في سائر شؤونه وأحواله، ولا مرجع له سواه، ولهذا كان يرى أن تترجم الدنيا بما فيها من شعوب وأمم إلى القرآن ولغة القرآن، الأمر الذي أكسبه إيماناً عميقاً بالله وغيوبه، وقوة روحية خارقة. وكان منهجه البعد عن الخلاف، وصرف المسلمين إلى العمل، شعاره في هذا، هذه القاعدة الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه". وقد عرّف الإسلام بأنه "عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوة، وخلقُ ومادة، وثقافة وقانون" فهو لا يفصل بين السياسة والإسلام، بل جعل السياسة نابعة من هذا الدين، تابعة له، خادمة إياه. كما عرّف دعوته بأنها "دعوة سلفية، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيأة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية" موجّهة إلى جماهير الأمة، وقائمة على التفاهم والتآخي والإعداد والتكوين والتوجيه. وكان الإمام البنا يهدف إلى تكون الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم الذي يسعى لإقامة الدولة الإسلامية، ولهذا كان يعمل لإيجاد تيار إصلاحي شامل، تتعاون فيه قوى الأمة جميعاً على عملية التغيير، ليحل النظام الإسلاميّ محل الأوضاع القائمة، إذ لا خلاص للأمة إلا بتحكيم شرع الله في شؤونها كافة، ولهذا تعددت مجالات نشاطه، حتى شملت سائر القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، فالمرأة احتلّتْ حيّزاً من تفكيره ومجالي عمله، فأنشأ مدرسة أمهات المؤمنين في مدينة الإسماعيلية، ثم أنشأ قسم "الأخوات المسلمات" في 26/4/1933 ووضع للقسم لائحة تنظيمية دقيقة، وجعل مهمته: إعداد جيل من الفتيات والنساء المزوَّدات بأعظم قدر من التربية الإسلامية المستنيرة، من أجل إنشاء البيوت الإسلامية التي تخرّج الأجيال الواعية لطبيعة دورها في هذه الحياة. ومن أجل تحقيق مجتمع الكفاية والعدالة، دعا إلى النهوض الاقتصادي، وإلى تحرير الفرد من آفات الفقر والجوع والجهل والمرض، وإلى تحرير الاقتصاد الوطني من أي تبعية، وذلك بأن تعود ثروات البلاد إلى بنيها، بأن يطرد المستعمر الذي يمتص دماء الشعب، ويسرق خيرات أرضه. ودعا إلى الإصلاح السياسي، وعمل من أجل القضاء على الفساد الذي عمّ الحياة السياسية بأحزابها وحكوماتها الخاضعة للاستعمار الإنجليزي، وخرج بدعوته وبمصر من الإطار المحلي، إلى الأطر العربية والإسلامية، فدعا إلى الوحدة العربية، وإلى التعاون الإسلامي، كما أيدّ قيام الجامعة العربية وتعاطف وشارك في حركات التحرر العربي في سورية والمغرب العربي، وأرسل كتيبة من الإخوان المسلمين للجهاد في فلسطين. وسعى من أجل القضاء على الخرافات والبدع، وتنقية الإسلام منها، بالالتفاف حولها، دون الوقوف من أصحابها موقف التحدي والاتهام بالشرك والكفر، كما مزج بين التربية الروحية والتربية البدنية، وبثّ روح القوه والفتوة، من خلال فرق الجوالة، عبر أسلوب تربوي متميز، يطهّر النفس، ويعدّ صاحبها لحمل أثقل التبعات، ويؤهلها لبذل المال والنفس في سبيل الله، فانطلقت تقاتل الإنجليز، وتهاجم مستعمراته المبثوثة في أرجاء القطر، حتى اضطرتها إلى التجمع في منطقة السويس. وكانت منابره التي استخدمها في التبشير بدعوته، هي الوسائل الإعلامية المتاحة آنذاك، وعلى رأسها الصحافة التي تعامل معها على نطاق واسع، فقد كان مندوباً لمجلة الفتح التي يصدرها محب الدين الخطيب، ثم أنشأ مجلة (الإخوان المسلمون) اليومية، كما رأس تحرير مجلة (المنار) بعد وفاة رئيس تحريرها الشيخ محمد رشيد رضا، واستأجر مجلات: النضال والمباحث والتعارف وسواها. ولم يغفل عن (المسرح) إلى جانب الكتب والرسائل والنشرات والخطب في المدن والقرى والجمعيات والنوادي، وكان في كل هذا، يستلهم التوجيه القرآني، ويسير على خطوات الرسول القائد عليه الصلاة والسلام. وهذا ما دعا أعداء الإسلام إلى التآمر على حياته، فقاموا باغتياله ليلاً أمام مركز جمعية الشبان المسلمين في القاهرة في 12/2/1949 وتركوه ينزف إلى أن مضى إلى ربّه شهيداً بعد ساعات من إطلاق النار عليه، وباء فاروق وأعوانه وزبانيته بخزي الدنيا والآخرة، فقد تخلّى عنه سادته الذين أمروه بقتل حسن البنا، الرجل الرباني، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والإمام الشهيد الذي جدّد للمسلمين إسلامهم، وكان الباعث لنهوض الشعوب الإسلامية في أقطارهم، على أساس الإسلام الحنيف الذي جاء به الرسول القائد محمد صلى الله عليه وسلم. |