من طرف ابوعمر الإثنين 07 يونيو 2010, 1:33 pm
الجزء الثانى
دق محمد باب منزل فتحيه أم سلطان
و عندما فتح الباب فوجد عمر أمامه ينظر اليه باستغراب و عيناه تمتلئ بالريبة
عمر : مش انت اللى كنت قاعد مع جاد الله القهوجى ؟؟
قال محمد بجديه و هدوء : السلام عليكم .. أريد التحدث الى السيده فتحيه أم سلطان
عمر بريبه : نقول لها مين ؟
محمد : صديق للدكتور صابر عبد التواب
جلس محمد ينتظر السيده فتحيه على الأريكه البلديه فى وسط الصاله الضيقه فى بيتها الصغير القديم الذى ينضح الفقر من جدرانه المتهالكه الممتلئه بالشقوق ,
و جلس أمامه الأسطى بسيونى الذى قدم مسرعا عندما ناداه عمر من دكانه الذى يقع فى آخر الحاره
جلست السيده فتحيه بعد أن قامت بنفسها بتقديم واجب الضيافه للضيف الذى بدأ يتحدث اليهم قاطعا كل نظرات التساؤل و الشك فى العيون : أنا محمد ... صديق الدكتور صابر عبد التواب تعرفت الى الدكتور صابر عندما كان مكلفا من قبل نقابة الأطباء المصريه بمهمه انسانيه طبيه فى بلادى و تصادقنا كأعز الأصدقاء ... و قبل سفره قدم لى الدعوه لزيارته فى مصر , و غادر بلادى و لم أراه منذ سبعة عشر عاما و طوال هذه المده لم تتح لى الفرصه لزيارة مصر .. و عندما تحسنت الأحوال و استطعت الحضور الى مصر , ذهبت لزيارته و لم أجده
فتحيه بأسى و هى تمصمص شفتيها : يا حول الله يارب
بسيونى : البوليس قبض عليه من 17 سنه و محدش يعرف له طريق جره
محمد بدهشه : لماذا ؟؟
بسيونى : والله ما حد عارف , أهم بيقولوا سياسه , و ناس بتقول انه كان مع الجماعات
تجهش فتحيه بالبكاء : دا كان راجل سكره , ما يستحقش اللى جراله , الله يجازى اللى كان السبب
هز محمد رأسه بأسف و تنهد بحزن
بسيونى : انما و لا مؤاخذه حضرتك بتتكلم عربى كويس ؟
محمد يلتفت اليه : أنا أزهرى , تعلمت فى الأزهر , و قضيت فى مصر فترة شبابى
التفت محمد الى عمر الجالس قبالته على كرسى خشبى قديم و نظر فى عينيه و هو يقول : أنت عمر ؟
عمر بريبه : ايه ! انت تعرفنى ؟
يظهر شبح ابتسامه على زاوية فمه و تطل من عينيه نظره غريبه و هو يقول : أنت الذئب
ينظر اليه الجميع فى صمت و الدهشة تطل من عيونهم بقوة
عــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــــــ ر
شق المكان صوت صراخ رهيب قادم من الحارة أفزع كل من فى البيت
جرى عمر الى النافذة : ايه .... فيه ايه يا ريس فرغلى ؟
فرغلى بغضب : انزلى هنا يابن الديابه لا أطلع أشرحك
عمر بغضب : ايييييه انت هاتشتغلى ؟ طب أنا نازلك ....
يخرج من المنزل جريا و هو يهتف : جرى ايه ؟ واقف تسيحلى فى وسط الحاره ؟ حصل ايه
فرغلى يمسكه من ملابسه : فين ايراد الورشه يا كلب يا حرامى ؟
من ساعة ما اصطبحت بوشك و انا بقول اليوم ده مش هايعدى على خير
عمر يدفع يده بغضب : ما تشتمش .... و انا مالى أنا و مال ايراد الورشه ؟ هو أنا جيت جنبك ؟ ما تشوف مين اللى دخل الورشه النهارده
فرغلى : مفيش حرامى و ابن حرام فى الحاره غيرك .. و دينى اما قبيت بإيراد الورشه لأبيتك متفشفش فى أحمد ماهر حووووووده ... كتفه
يحيط به صبيان الورشه و يمسكوا بيديه
عمر بغضب : هى دى المرجله ؟ بتخليهم يكتفونى ؟
يبدأ فرغلى بالضرب فيه بوحشيه و هو يقول : فين ايراد الورشه .. انطق يا حرامى
يتجمع كل من فى الحاره و يقفوا متفرجين الا من بعض التعليقات :
مش حرام .. كلكوا عليه ؟
أحسن يستاهل ... دا حرامى
يصرخ عمر من الألم و يسب فرغلى الذى رفع يده لتنزل على وجه عمر ...
لكنها لم تنزل .... لأن يدا أخرى أشد قوة اعترضتها
التفت فرغلى بغيظ الى الشخص الطويل الممسك بيده ليصطدم بعينين يملؤهما غضب مخيف و صوت صارم يقول : يكفى هذا
ارتبك فرغلى بشده , لكنه قال : محدش يتدخل بينى و بين ابن الحرام ده ... دا سرق ايراد الورشه
عمر و هو يبكى : و الله ما سرقت حاجه ... هو انتوا ما عندوكوش حرامى غيرى ؟
محمد بصرامه : كم المبلغ ؟
ينظر اليه فرغلى بدهشة : 200جنيه
يعطيه محمد المبلغ ببساطه و هو يقول محذرا: خذ المبلغ و لا تلمسه
ينتهى الموقف و ينفض الجمع و هم بين مذهول و متعجب من هذاالغريب الذى يدفع مالا لرجل لا يعرفه من أجل انقاذ لص لا يعرفه
مسح عمر دموعه فى كمه و هو ينظر بدهشة لهذا الغريب
قال محمد باقتضاب : تعالى , أريد أن أتحدث اليك
نهض عمر من الأرض , و انطلق خلفه بصمت و فضول لا مثيل له حتى وصلا الى حيث ترك السيارة
فتح محمد باب السياره و هو يشير الى الباب المقابل و يقول بلهجه آمره : اركب
تردد عمر و نظر اليه بارتياب
قال محمد منهيا تردده : هل تحب أن تكسب مالا ؟
اتسعت عينا عمر بلهفة : أنا خدامك
محمد بصرامه : اذا اركب
ركب عمر بجواره , و انطلق محمدبالسياره ليدور بينهما حديث طويل
عمر : انت مين يا عم الشيخ
محمد : أخبرتك من قبل ... أنا صديق للدكتور صابر عبد التواب
عمر : لكن ماقولتليش .. هاتدينى فلوس ليه ؟
محمد : سأعرض عليك عرض ... ما رأيك أن تعمل معى ؟
عمر بتردد : ماشى ... تحت أمرك .. بس ..... لا مؤاخذه ازاى هاتشغلنى معاك و انت عارف انى حرامى ؟
قال محمد فى هدوء : لأننى اعتدت عدم الحكم على الناس الا من خلال تصرفاتهم ... و حتى الآن لم يبدر منك ما يجعلنى أرفضك
عمر : طب و كلام الناس؟
محمد : أنا أرى الأشخاص بعينى و عقلى ... لا بكلام الناس
عمر بدهشه : يااااه ... انت بتفكر غير الناس كلها !!
محمد باهتمام : لماذا طردت من المدرسه ؟
عمر : لا .. أنا محدش يقدر يطردنى .. أنا اللى سبتها بمزاجى
محمد : لماذا ؟
عمر : بصراحه زهقت منهم .. أصل المدارس مابتكسبش فلوس .. أنا كده أحسن
محمد : كان بإمكانك العمل والدراسه معا
عمر : الصراحه قرفت من المدرسه باللى فيها كنت ماشى كويس و ميت فل و 14 .. لحد أولى اعدادى.. لحد ما الواد شوقى ابن الأسطى فرغلى ما اتنقل الفصل بتاعى
أكمل بسخريه مريره : أبوه راح للمٌدرّسه و قال لها .. الواد ده ما يقعدش جنب ابنى , أصله ابن حرام .. و من يومها بقى الفصل كله يبعد عنى زى ما أكون جربان , أما شوقى بقى , كان كل ما تضيع منه حاجه يلزقها فيا .. و يشتكى للمٌدرّسه انى سرقته . مع انهم كلهم عارفنى من سنين ... و من يومها و كل حاجه اتشقلبت
هز محمد رأسه بتفهم : و كلما ضاع شئ أو سرق شئ .. فالسارق دائما موجود
عمر بسخريه : عليك نور ... بس ... و عندها و سبتلهم المدرسه مطربقه على دماغتهم ... وده كمان ريح عم بسيونى , ايه اللى يزنقه يصرف على عيل مش من عياله ؟
محمد يهز رأسه بأسف : و أنت لم تدخر جهدا لتؤكد لهم الصوره التى فى ذهنهم عنك .... صورة اللص
عمر بمراره : لو كنت عمالتلهم قرد , برده هافضل فى نظرهم ابن حرام ... و ادينى خدتها من قصيرها و بقيت حرامى ... آل ضربوا الأعور على عينه , قال خسرانه خسرانه
محمد : ما رأيك فى من يمنحك فرصه تثبت بها عكس ما يظنونه .. تثبت جدارتك فى مكان آخر لا يعرفك فيه أحد , فى مكان لا يقيّم فيه الإنسان الا بعمله
عمر : ايدى على كتفك
محمد محذرا : و لكن احذرك فستسافر الى بلاد بعيده للغايه ... و العمل هناك شاق تماما و قد لا تتحمله
عمر : يا عم خليها على الله ... أنا بعون الله أفوت فى الحديد ... و بعدين مش انتوا هاتدونى أجرى ؟؟ خلاص .. قالوا ايش بلدك يا جحا ؟ قال اللى فيها الفلوس ... هاهاهاها
محمد بجدية : حسنا ... فلتجهز حاجياتك , و لتعود لتودع أهلك ... فقد يطول السفر الى سنوات
عمر : يا عم قول يا باسط ... أهل مين ؟ أنا ما ليش أهل , دى حاره غجر , و كمان ما ليش حاجات , أهه على فيض الكريم
عقد محمد حاجبيه و قال بدهشة : و ماذا عن أمك التى أرضعتك ؟ و أباك الذى رباك ؟
عمر بلا مبالاه : أبا بسيونى , ما هايصدق , دا مش عاوز يشوف وشى , و أمى ما بتحبش المشاكل دى الحاره كلها هاتفرح و تزغرد علشان ارتاحوا منى
صمت عمر قليلا , ثم قال بعد تردد : بس .. ليا سؤال .... انت بتعمل كده ليه ؟
محمد : أخبرتك من قبل , من أجل صديقى الدكتور صابر .. فأنا مدين له بالكثير كما أنى أريد أن أثبت لك أن هناك من يعاملون الناس بتعاليم الإسلام لا بنظرتهم الضيقة للحياة ان من ينظر للحياه من خلال الإسلام , يجدها أكبر بكثير مما يعتقد الناس
عمر بريبه : لا موآخذه الكلام ده مش داخل دماغى
يعنى ... طب ما فيه ألف واحد غيرى و احسن منى كمان و معاهم شهادات و يستحقوا المساعده أكتر منى
يصمت قليلا ثم يقول : انت كنت تعرف أبويا ؟
محمد ينظر اليه باعجاب بذكاءه و يقول ببساطه : ربما
دهش محمد عندما لم يتلقى أى رد أوكلمه أو حتى انفعال من عمر
عقد حاجبيه بدهشة و سأله: ألا يهمك أن تعرف انك لست ابن زنى ؟
عمر يفتعل اللامبالاه و هو ينظر بشرود الى الطريق : ما تفرقش كتير .. بالعكس .. كده أحسن , خلاص اتعودت و بعدين مش يمكن لو عرفت مين أهلى أقع فى مصايب و قواضى ؟ أمال يعنى ايه اللى يخليهم يرمونى الا اذا كانوا واقعين فى مصيبه ؟ سوق يا عم سوق خلينا نشوف أكل عيشنا , بلا أهل بلا هم خلينا فى السفر و الفلوس
و سافر عمر مع محمد بعيدا...
الى أين ؟
الى عالم مجهول , و حياه جديدة , لا يعرف ما ينتظره فيها