عندما تكون فلسطينياً..
سيكون لديك تدريب يومي على إخفاء دموعك
وابتلاع قطعة كبيرة من أمانيك التي غص بها واقعك
ووقف أمامها مشدوهاً..
فمن اين يأتي لك بمارد المصباح ليعيد إليك شجرة الزيتون
وطبق القش..
ورائحة البحر؟!
عندما تكون فلسطينياً..
لن تستطيع ان تتمادى بابتسامتك..
فخيالات الأقصى الأسير.. تحاصرك
ودم صلاح الدين الذي ينبض في شرايينك..
ويذكرك في كل مرة تحاول أن تبتسم بها
بأن ابتسامتك خيانة.. سيعاقبك عليها التاريخ!
عندما تكون فلسطينياً..
لن تستطيع أن تنفرد بأحلامك.. فهناك من يشاركك بها
بل يتربع على عرشها..
فإن كانت أحلام الآخرين..
مالٌ وسلطانٌ وزوجةٌ وأطفال..
فأحلامك..
قيلولة تحت شجرة البرتقال في حيفا..
وفنجان قهوة على ضفاف طبريا..
وصلاة ركعتين ودعاءٌ.. يعرج إلى السماء متتبعاً خطى الحبيب في معراجه من هناك..
عندما تكون فلسطينياً..
ستعيش حالة من الغياب المزمن.. عن الحياة الطبيعية..
فلا صحو ولا نوم..
ولا عمل ولا راحة..
ولا وعي ولا غيبوبة..
بدون ذكرى فلسطين..
وما كانت عليه فلسطين..
وما صارت إليه فلسطين..
وما ستصير إليه فلسطين..
عندما تكون فلسطينياً..
ستكون غريباً في وطنك.. وفي خارج وطنك..
ستكون مثاراً لمختلف المشاعر..
ستكون مثاراً للشفقة حيناً..
ومثاراً للحزن حيناً..
ومثاراً للاهتمام حيناً..
ومثاراً للإعجاب أحيان!
عندما تكون فلسطينياً..
ستعمل قسراً.. مروجاً لخلقٍ كاسدٍ يدعى "الكرامة"..
فقد انخفض تداوله بشكل ساحق منذ أن اختُرعَت قواميس جديدة للأخلاق!
عندما تكون فلسطينياً..
ستصاب حتماً بمرض يدعى "الحزن"..
وستصيب العدوى بمرضك هذا كل من يعرفك..
أو يتأمل تلك الدموع الأسيرة في عينيك..
أو يستمع لأنين المساجد والكنائس.. والحجارة في صوتك
عندما تكون فلسطينياً..
ستتمتع بذاكرة قوية..
ستذكر عدد حبات رمل البحر..
وصوت كل مؤذن..
وضحكة كل طفل..
ستذكر لون الفجر.. وطعم النوم.. ورائحة المطر
وستذكر ايضاً.. تلك الليالي السوداء..
بأصوات وحوشها وحركاتهم..
ستذكر رائحة الموت الممزوجة بالبارود
وستذكر زغاريد الثكالى..
ونواح العذارى..
ستذكر رسم خطواتك نحو المجهول..
وستذكر كل دمعة.. فوق أية حبة تراب سقطت!
عندما تكون فلسطينياً..
ستدرك أهمية الارقام..
وستحبها.. او تحقد عليها..
المهم.. أن علاقة وطيدة ستنشأ بينكما..
بعد أن يتحول اسمك إلى رقم..
وتاريخك إلى رقم..
وموقع بيتك إلى رقم..
وعدد أفراد عائلتك المفقودين إلى رقم..
وعدد من مات.. ومن سُجن..ومن قُطّع إرباً.. إلى أرقام..
وعدد الايام التي قضيتها _أو قضتك_ في المخيمات.. إلى رقم..
وأحلامك وتنبؤاتك الفاشلة لموعد رجوعك إلى وطنك.. إلى رقم..
ستدرك حتماً أهمية الأرقام..
وسيلهج لسانك بالشكر لمن اخترع الأرقام!
وإلا لكانت حياتك بلا حياة..
وبلا أرقام أيضاً!
عندما تكون فلسطينياً..
ستعيش حنيناً دائماً لماضِ لم تعرفه..
ولمستقبل ليس بإمكانك ان تعرفه!