من أجل استعادة المرأة لوظيفتها
عندما لخص الغربيون والتغريبيون المرأة في جسد حر من كل قيد وظيفته المتعة فحسب كان رد فعل أكثر الإسلاميين على نفس الدرجة من الغلو حيث لخصوا المرأة في عرض يجب أن يوارى ويحرس ويحاط بألف سياج مادي وأدبي, فضاعت المرأة المسلمة بين تطرفين وفاتنا النموذج النسوي الحي الذي يجذب غير الملتزمات ويكون قدوة ندعو من خلالها للإسلام في بلادنا وفي الغرب ذاته,وهذا النموذج يكمن في "المرأة الإنسان "وهي وسط بين المرأة الجسد والمرأة العرض بتعبير الأستاذ الغنوشي.
إن الإسلاميين يصبون جام غضبهم على الراهبة تيريزا وكان ينبغي أن يتأسوا بها ويدرسوا حياتها وإنجازاتها,فالراهبة المتحصلة على جائزة نوبل للسلام عجوز طاعنة في السن وهبت شبابها وأفنت عمرها في خدمة ""الإنسانية"" ضمن أعمال الكنيسة الكاثوليكية وقضت حياتها في ملاجئ الأيتام وتجمعات المحرومين ومصحات المرضى والعجزة في شرق آسيا وتنصر على يدها خلق كثير أغلبهم مسلمون ،ومع اختلافنا العقدي معها فإننا نقدر عطاءها ونكبر فيها شخصيتها القوية وتفانيها في خدمة دينها ومبادئها,فهذه المرأة ضحت بحياتها لدين باطل,فماذا عن المرأة المسلمة؟لسنا بصدد الانضمام إلى موكب البكاء والعويل وضرب الكف بالكف ولكن ندعو إلى تكسير حواجز التقاليد المخالفة لشرع الله والمكبلة للمرأة التي يستميت الكثير من المسلمين في التمسك بها حفاظا على وصاية الرجل وهي شيء آخر غير القوامة الشرعية,وما لم يكسر الرجل الواعي والمرأة الواعية طوق العادات الموروثة عن عصور الانحطاط والأخرى الدخيلة علينا وما لم يعيدا قراءة وضع المرأة في الإسلام قراءة أصولية مقاصدية مستنيرة فإن مجتمعاتنا ستبقى تطير بجناح واحد وتسلم المرأة إلى مزيد من الارتماء في أحضان الغرب وتفتقر إلى النموذج الكفيل بإيصال الدعوة الإسلامية إلى الأمم والشعوب لأن أحد المعايير التي يعتمدها المفكرون أرباب الرأي في الحكم على أية دعوة إصلاحية هو نظرها إلى المرأة ,فكيف بمن يلعنون تيريزا ولا يعطون بديلا عنها سوى الكلام النظري عن تكريم الإسلام للمرأة المشفوع بالتنكر الفعلي له عبر الأحوطيات والممنوعات والضوابط الارتجالية التي تكاد تلغي شخصية المرأة وتجمد عطاءها,كيف نرجو توسيع رقعة الإسلام بمثل هذه النظرة القمعية؟هل يغني أن نكرر سرد الأمثلة النسائية التاريخية ونحن نئد أية تجربة مماثلة في الحاضر؟ نذكر أن الصحابة كانوا يأخذون العلم عن السيدة عائشة ونشيد بالشفاء التي ولاها عمر رضي الله عنه حسبة السوق ونتباهى بأن السيدة أم سلمة أشارت على الرسول-صلى الله عليه وسلم- بما جعله يحل مشكلة عويصة بعد إبرام معاهدة الحديبية وفي نفس الوقت تكاد ساحتنا الفكرية والعملية تخلو لمن يفتون بأن صوت المرأة عورة ويقيدون سفرها بشروط لم يفرضها الشرع وإنما فرضتها ظروف زمنية تغيرت مع استتاب الأمن وتوفر وسائل النقل المضمونة وينظرون بعين التوجس إلى كل تحرك للمرأة خارج بيتها ..,وكيف لا يعتصر المسلم ألما وهو يرى العلمانيات والمترجلات يملأن الدنيا بالباطل ويفتن المسلمين والمسلمات ولا يبرز من أحضاننا من ينازعهن إلا قليلا,فنحن لا نكاد نملك نموذجا نفتخر به غير السيدة زينب الغزالي عليها رحمة الله و قليلات معها في حين يعج صف التغريبيين بالعشرات من أمثال نوال السعداوي ويكفي ما لمع في المغرب العربي من أسماء أدبية نسوية تخدم المشروع التغريبي مثل فاطمة المرنيسي وعائشة لمسين وآسيا جبار _ التي رشحها الفرنكوفونيون لجائزة نوبل أكثر من مرة جزاء خدماتها الجليلة للغة الفرنسية والمشروع المبطن الذي تحمله_ وزينب لعوج ،ولم يبرز فيه من المسلمات المنتجات وجه يذكر ،و لا يكفي أن نتذرع كالعادة بالعراقيل التي يضعها خصوم الإسلام في طريق مواهبنا فمع التسليم بوجودها لا بد من الاعتراف بأن عوائقنا الداخلية-نفسية وتنظيمية ومادية-هي العامل الحاسم في تهميش المرأة وإبعادها عن صناعة الحياة.
إن حالنا تقتضي اقتحام الميادين بشجاعة كبيرة لإعادة النظر في ثقافة عصور التخلف والتمييز بين النصوص الشرعية الثابتة والتقاليد الموروثة والتعامل مع الإضافات الحضارية بإيجابية في إطار إرضاء الله تعالى وخدمة الأمة ودفع المشروع الإسلامي دفعا مجديا كبيرا والجمع بين العبادة والحركة,أما الاكتفاء بإحاطة المرأة المسلمة بهالة زائفة من التقدير مع تكريس العطالة والإقصاء فإنه يمهد لظهور ألف نموذج من""تسليمة نسرين"" من غير شك ،ونحن لا ننكر أن العودة بالمرأة إلى الوضع الطبيعي ليس بالأمر الهين بسبب الموروث الثقافي المثقل بالإقصاء من جهة وضغط الغزو الفكري والسلوكي من جهة ثانية لذلك يجب الإنكباب على مزيد من التأصيل الشرعي وتحريك العقول ومسابقة الزمن بخطوات شجاعة قد تثير المتشددين ولكنها الكفيلة بكسر الجمود لتتجرأ المرأة المتعففة المتعلمة على الإقدام والعطاء ويتجرأ الرجل الواعي على الإنعتاق من أسر دوائر الوهم والتقليد والخوف,وحتى تكون هذه الحركة المطلوبة فعالة ينبغي أن نزاوج بين النهل من أصالتنا والاستفادة من التجارب البشرية ومنها الحركات النسائية في الغرب ونضال المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا للإستعانة بالإيجابي النافع واستبعاد الوقوع في السلبيات والمطبات.
عبد العزيز كحيل