صناعة النجاحات الكبيرة في الحياة مشكلة تقف في وجه كثيرٍ من الأصحاءِ أما أن يأتي النجاح غير العادي من معاقٍ إعاقةً غير عادية مثل الشيخ أحمد ياسين المصاب بالشلل الرباعي فهذا ما ينبغي أن نقف عنده طويلاً لندرس الأسباب ونستخلص الدروسَ والعبرَ التي يجب أن نعلمها لأنفسنا أولاً ولكل إنسانٍ طبيعي أو معاقٍ ثانيًا!!.
فالمشكلة الرئيسة في أي إنسانٍ معاقٍ أن يتجاوز حدود نفسه وأزماته وأن يصل إلى مرحلةِ الاستقرار والهدوء النفسي وأن يستطيع تدبير أموره الخاصة بلا مشكلاتٍ مثل: (الاكتئاب- فقدان الثقة بالنفس- العزلة- الانطوائية- الأزمات النفسية- وأحيانًا العدوانية تجاه المجتمع صاحب النظرة غير الطيبة).
أما الشيخ العظيم الشهيد أحمد ياسين فقد تجاوز مرحلة تدبير الشئون الخاصة إلى مرحلة التأثير في الآخرين إلى القدرة على قيادةِ المجتمع بأكمله بل القدرة على التأثير في العالم بأثره فقدَّم أروع الأمثلة لصناعةِ النجاح في حياته وكذلك قدَّم بموته أروع الأمثلة في التاريخِ من لدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى الآن، فلأن ينال صاحب الشلل الرباعي الشهادة في سبيل الله فهذا ما لم يحدث من قبل، وكان المثل الذي يتغنَّى به المسلمون عبر تاريخهم هو سيدنا عمرو بن الجموح (الأعرج الذي نال الشهادة في سبيل الله).
وقد جاء هذا النجاح من عدة عوامل:
عوامل ذاتية ترجع إلى شخصية الشيخ أحمد ياسين
1- الإيمان بالله تعالى والرضا بقضائه وقدره: فلم يعش الشيخ ياسين يندب حظه أو يبكي على نفسه بل عاش بالرضا والتسليم والقبول محبًا لله تعالى ورضي عن الله فرضي الله عنه وجعل له القبول في الأرض روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إني أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ- قَالَ- فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى في السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ- قَالَ- ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ".
2- العمل من أجل هدف عظيم: برمجة الإنسان حياته لخدمة هدف عظيم يفجر طاقاته ويطلق إبداعاته ويجعل حياته ذات قيمة و معنى وقد جند الشهيد العظيم أحمد ياسين حياته لأهداف عظيمة عاش طيلة حياته يحققها على أرض الواقع وهي ( الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ) وقد صدق الله فصدقه الله ونال الشهادة .
3- الأمل والهمة العالية: تميز شهيدنا بروح الأمل العظيم الذي هو أخو الإيمان ونبذ اليأس المقيت الذي هو أخو الكفر واتسم بالقوة النفسية ونبذ الضعف وأنعم الله عليه بنفس وثابة طموحة تهفو إلى المعالي وترتقي الصعاب وتسخر من المحن مهما كانت.
4- الاهتمام بالعلم والتعليم: كان الشهيد العظيم صاحب همة عالية وباع كبير في تحصيل العلوم وحفظ القرآن الكريم وتحفيظه وكان العلم من أسباب رفعته ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة: 11).
5- القدرة على الخطابة وإجادة فنون الاتصال والتأثير في الآخرين: من أهم عوامل النجاح؛ لذا فقد برع الشهيد العظيم في الخطابة وأتقن فنونها وكان خطيبًا مفوهًا متميزًا تهتز له المنابر وتستجيب لندائه القلوب.
6- الحرص على شئون الأمة والخروج عن الأنانية: يصنع الشخصية الناجحة ويخرج بالمعاق وبأي إنسانٍ من مستنقعِ الانطوائية الضيقة المقيتة إلى عالم الأمة الرحب الفسيح ومن ضيق الذاتية الضعيفة إلى رحابةِ الجماعية القوية وأمة الجسد الواحد.
7- الأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة: تجعل المعاق محبوبًا ممن حوله وبالتالي يتفانون في خدمته ولا يتأففون منه.. كان شهيدنا العظيم على خلق عظيم، وكان يتميز بروح الود والأخوة في الله وإخلاص الوجهة في العمل له كل هذا جعل من حوله على استعداد لتقديم كل شيء له حتى الأرواح.
عوامل اجتماعية
متمثلة في التقبل الجميل والتعامل الطيب والتعاون الرائع من المجتمع الصالح حوله، وذلك من خلال:
أ- التعامل الطبيعي التلقائي وعدم إشعاره بأنه شخص مختلف أو التعامل معه بحساسية أو السخرية منه أو الاستقلال بشأنه، فقيمة الشخص ليست بجسده ولا صورته بل بإيمانه وأعماله، ورجولة الرجال لا تُقاس بقوةِ الأجسام بل بقوةِ الإيمان وفضائل الأخلاق.. روى مسلمٌ في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
ب- البنت الصالحة العظيمة التي قبلت أن تكون زوجة لشاب معاق إعاقة كاملة فكانت صاحبة رسالة عظيمة وتأثير كبير في المجتمع الإسلامي بل في العالم كله وكانت بحقٍّ امرأة عظيمة تقف خلف رجل عظيم.
ج- الأبناء الصالحين البارين الذين يقومون على خدمته وتدبير كل شئونه بنفسٍ طيبة راضية دون تضجرٍ ولا ملل.
العمل الجماعي والصحبة الصالحةالصحبة الصالحة تصنع الإنسان الصالح العظيم وتُفجِّر طاقاته وتُوظِّف إمكانياته وقدراته الكامنة وتصنع إبداعاته المبهرة وتحوله من الضعفِ إلى القوة، ومن القلة إلى الكثرة، وكما يقولون: "المرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه"، فأعظم شيء صنع نجاح الشهيد العظيم أحمد ياسين هو اختياره لأصحابه الصالحين البررة من جماعة الإخوان المسلمين الذين تعاونوا معه على البرِّ والتقوى فقاموا على خدمته في كل الشئون وصنعوا منه شخصية قيادية رائعة، وعلموا العالم أنَّ الجماعة الصالحة ترضى بالمعاق أن يكون قائدًا لها ليس فقط في الميادين الاجتماعية العادية بل في الميادين العسكرية والقتالية، وهذا أعلى معدل نجاح يمكن أن يصل إليه أي معاق في العالمِ والفضل في ذلك يرجع إلى الصحبةِ الصالحة وممارسة العمل الجماعي الذي يجب أن يحرص عليه كل إنسان حتى وإن كان معاقًا.
حقًّا لقد أوضحت الإنجازات العظيمة للشهيد العظيم روعة المنهج الإسلامي في صناعة الشخصية ودور المجتمع والصحبة الصالحة في صناعة النجاح.. رضي الله عن الشيخ أحمد ياسين وألحقنا الله به شهداء على طريق الحقِّ وجمعنا الله به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. اللهم آمين.