منتدي عالم النور

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحب وأهلا يا زائر


    البنا امام الجيل

    العاصفة
    العاصفة



    رسالتي رسالتي : حب كل مسلم
    الجنس : ذكر
    المشاركات : 35
    العمر : 33
    العمل/الترفيه : student
    المزاج : عشرة على عشرة
    السٌّمعَة : 3

    البنا امام الجيل Empty البنا امام الجيل

    مُساهمة من طرف العاصفة الأربعاء 10 فبراير 2010, 2:51 am

    لما بلغه نبأ اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا قال قائد الجهاد بالريف المغربي الأمير عبد الكريم الخطابي: "ويح مصر وإخوتي أهل مصر، لقد قتلوا وليًّا من أولياء الله"، وفي أواخر السبعينات كتبت جريدة تصدر بالفرنسية في بلدٍ مغربي مقالاً مطوَّلاً عن الحركة الإسلامية نشرت فيه صورة الإمام الشهيد وتحتها هذه العبارة (أكبر خائن في التاريخ)!.
    ما أشسع البون بين الحكمين يكمن سره في أن الإسلاميين عرفوا الرجل عن كثب وخبروا تقواه وأخلاقه وتضحياته وتجديده فلمسوا فيه خصال الولي الصالح، أما خصوم الإسلام فعرفوا أنه الطود الشامخ في وجوههم الذي أبطل سحرهم فألَّبوا عليه أتباعهم في بلاد العرب والمسلمين، وهناك حقيقة لا يختلف حولها الطرفان، وهي أن موته لم يكن حدثًا مغمورًا إنما كان خطبًا جللاً للبعض، وخلاصًا للبعض الآخر.
    ذلك الرجل الفذ
    بعيدًا عن كل مبالغةٍ وتهويلٍ يتيقن الدارس لحياة المرشد العام المؤسس أن العناية الإلهية قد جمعت فيه ما تُفرِّق بين النبغاء من الخصائص والقسمات، فقد تلقَّى تربيةً روحيةً منذ صباه في حلقات الصوفية وامتاز بذكاءٍ خارقٍ تعضده ذاكرة قوية عجيبة وجمع بين الإحاطة بالتراث والإلمام بالواقع المحلي والعالمي، وكانت حال الإسلام والمسلمين تؤرّقه وهو فتى غرير فيتنكَّر لاهتمامات الأتراب ولا يشتغل بدواعي السن بل كان همّه منصبًا كليةً على دينه وأمّته حتى أدرك بدقّة مواطن الداء وأعدَّ لها ما يُناسب من الدواء، وساعده على ذلك معرفته الواسعة الدقيقة بالنفس الإنسانية وبسنن الله في الكون والمجتمع والعلاقات البشرية.
    وقد كان رحمه الله خطيبًا مفوهًا؛ حيث يحكي مَن حضروا ندواته أنَّهم كانوا لا يشعرون بمرور الوقت مهما طال كلامه، وإذا تحدَّث دخلت كلماته القلوبَ بغير استئذان حتى إن صحفيًّا أمريكيًّا ارتعشت فرائسه وهو يستمع إليه يتكلَّم بلغةٍ عربيةٍ لا يفهم هو منها شيئًا!.
    هذا الشاب المصري الذي كُتِبَ له أن يفتح للعالم الإسلامي صفحةً جديدةً من تاريخه لم يكن من حملةِ الشهادات العاليّة، ولا هو من خريجي المعاهد الدينية إنما هو معلِّم ابتدائي فحسب، لكن حباه الله بخصائص العظماء ومناقب الصالحين، فكان له قلب الزهاد وعقل النوابغ وفراسة العارفين ونشاط المصلحين وسمات الملهمين، وقد كان منطلقه القرآن الكريم لكن بطريقته الخاصة، يقول عنها الأستاذ مالك بن نبي- رحمه الله- في كتاب (وجهة العالم الإسلامي): "وإذا كان قد أتيح لذلك الزعيم أن يُؤثِّر تأثيرًا عميقًا في سامعيه فما ذلك إلاَّ لأنَّه لم يكن يُفسِّر القرآن بل كان يوحيه في الضمائر التي يزلزل كيانها، فالقرآن لم يكن على شفتيه وثيقةً باردةً أو قانونًا محرّرًا بل كان يتفجَّر كلامًا حيًّا وضوءًا أخاذًا يتنزّل من السماء فيُضيء ويهدي".
    ويقول رحمه الله أيضًا: فلكي يتغير الفرد لم يستخدم ذلك الزعيم (أي حسن البنا) سوى الآية القرآنية، ولكنَّه كان يستخدمها في نفس الظروف النفسية التي كان يستخدمها النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته من بعده"، وهذا هو السر كلّه: أن تستخدم الآية كأنها فكرة موحاة لا فكرة محرَّرة مكتوبة.
    وقد ترعرع في جوٍّ إيماني وحركي يُساهم في أعمال الإصلاح والتغيير وهو تلميذٌ صغيرٌ؛ مما نمَّى عنده عوامل النشاط الدعوي إلى درجةٍ هجر معها الراحة والإجازات، وقد استمر على رأس جماعة الإخوان المسلمين عشرين سنةً، لم يعش فيها لغير الإسلام والحركة ويكاد عمله يستغرق الليل والنهار، وهذه طاقة لا تتوفّر إلا عند المصطفين الأخيار.
    ويخطئ مَن يظن أن همَّ الأمة الإسلامية قد طوقه وعزله في خانة التشدّد والصرامة، فقد كان لين الجانب معتدل السلوك رفيع الذوق مرهف الحس بشوشًا متفتِّحًا يرعى حقوق الوالدين والإخوة والزوج والأبناء والجيران.
    الفكرة والجماعة
    يندرج إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في سياق حركية النهضة التي بدأها محمد بن عبد الوهاب بشكلٍ معيّن، وأضاف إليها الأفغاني وعبده أشكالاً أخرى، واعتصرها إلغاء الخلافة الإسلامية في التاريخ فجمعت بين جماهيرية الوهابية ونخبوية الإصلاحيين في تناغمٍ استفاد من عبر التاريخ، تناغم نجد فيه فكرة الإسلام المجاهد كما كان يراه الأفغاني وتجديد التفسير والفقه الذي أضافه عبده والربط بين السلفية والتجديد الذي زاده رشيد رضا فاصلة تناغم يعبر بحق عن شمولية الإسلام الّتي ضاعت منذ قرون بين جمود المؤسسات التقليدية وهجمة التغريبيين ،وقد استطاعت الجماعة أن تنسج ترابطاً وثيقاً بين العقيدة والشريعة والسياسة وبين الفكر والتنظيم الحركي كما تمكّنت _بفضل نبوغ مؤسستها_ أن تمزج بين علوم الأزهر وروحانية الصوفية ونضال الأحزاب الوطنية فكانت حركة تجمع ولا تفرق، لم تحل شمولية منهجها دون الاعتراف بالآخر والتعاون معه في المتفق عليه فكانت ترى أن تعدّد التنظيمات الحركية كتعدّد المذاهب الفقهية بل مدت جسر التفاهم حتى مع غير الإسلاميين بناءً على رابطة الوطنية والإنسانية، كيف لا وقد كان عمل الجماعة مبيّناً على الحب لا على البغض فكان بعيداً عن أساليب المرارة والغلظة شعاره "سنقاتل الناس بالحب" واستطاع المؤسس الشاب أن ينجز بناءً فكريا متماسكاً سماته التوازن والاعتدال والوسطية يحسن تسيير العلاقة بين الذات والآخر وبين المحلية والعالمية وبين التاريخ والعصر، كما كان فكراً متكاملاً أوجد تصوّراً استراتيجياً شاملاً مستوحى من القرآن والسنّة جعل جماعة الإخوان المسلمين تسير وفق خطط مدروسة لا بمجرّد ردود الأفعال وذلك في إطار غايتها المتمثلة في البعث الإسلامي والتصدي للتغريب وقد كان ذلك فتحاً نوعيّاً في العمل الإسلامي التغييري الذي انحصر قرونًا في الجوانب الفردية والاهتمامات الشكلية؛ لأن حسن البنا بعث صحوة لم يعد دعاتها كالسابق من المشايخ بل هم من الشباب الذين ركَّز عليهم التغريب لضرب الإسلام، وهم بدورهم نشروا الدعوةَ في صفوف المثقفين المستهدفين من قِبل غيرهم.
    هذه الصحوة لم تكتفِ بتقديم كلام وإنما أنشأت حركة تكفل الاستمرارية وتضمن الانتشار عمدت إلى رفع التحدي بعد سقوط الخلافة الرمز الذي كان له أسوأ الأثر على المسلمين؛ وذلك من خلال التجديد داخليًّا والجهاد خارجيًّا، فأما التجديد فقد رأى فيه الإمام الشهيد الخطوة الضرورية نحو النهضة واسترجاع أمجاد الإسلام، وخلافًا لما كان يدعو إليه المستغربون فإن التجديد هنا لا يعني إضافة إلى الدين ما ليس منه أو انتقاص بعض مكوناته إنما يعني صحة الممارسات، وكذلك تجديد حياة الأمة بإنشاء الفرد والأسرة والجماعة والشعب المسلم الرباني الواعي برسالته.
    ولم يتوقف مجهود الرجل وجماعته عند حدود التنظير والتوعية، وإنما تعداها إلى التغيير الميداني خاصة في عقد الأربعينيات عندما تركز المجهود على استئناف الحياة الإسلامية بطريقة مرحلية متدرجة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية من خلال إنشاء المصانع والمستوصفات ونحوها التي تُمثِّل البديل الإسلامي العملي، أما الجهاد فقد كان السبيل في مواجهة اليهود المعتدين في فلسطين والاحتلال الإنجليزي في مصر، وبقدر ما كان حسن البنا يعتمد على اللين والهوادة في إصلاح المجتمع كان متحمسًا للجهاد ضد العدو المستعمر وقد نظر له طويلاً ومارسه أتباعه ميدانيًّا في فلسطين وضفاف القنال.
    إسلام.. عروبة.. إنسانية
    بعيدًا عن الجمود الرافض والتفتح المتحلل دعا المرشد الأول إلى الإسلام غير المشوه، الإسلام الرباني الذي يملأ القلوب حياةً والعقول معرفةً ويُنشِّط الجوارحَ لصناعةِ الحياة الصالحة الراقية؛ لذلك لم يُضق ذرعًا بالمفاهيم التي لا تناهض دين الله مثل العروبة باعتبارها انتماءً نعتزُّ به ولغةً هي من شعائر الإسلام ودعوة تُجمِّع ولا تُفرِّق وتؤمن بالخصائص وترفض أي بُعد عرقي أو تميز ترابي، كما احتضن- رحمه الله- الوطنية بعد أن نزع منها زوائد الجاهلية وأخضعها للضوابط الشرعية والتصور الأصيل.
    ومن مآثره الكبرى سعيه الجاد إلى التقريب بين أهل السنة والشيعة، ولولا أن المنيةَ قد عاجلته لأوصل- فيما نظن- ذلك المشروع إلى منتهاه في إطار المسعى التوحيدي الذي كان يشغل باله، ولم يمنعه تميزه العقيدي من ربط أجمل الصلات مع مواطنيه الأقباط وزعمائهم الدينيين والسياسيين من أجل المصلحة الوطنية وخدمة القيم والمثل المشتركة، وقد مكَّنه هذا الصدر الرحب، وهذا الأفق الواسع من النظر إلى الحضارة الغربية من منظورٍ إنساني بعيدٍ عن مواقف الرفض المطلق والتقوقع السلبي فناهض وبشدّة الغزو الثقافي ودعا إلى التفاعل الحضاري آخذًا في الاعتبار الموروث البشري المشترك، وهكذا تعامل بفهم عميق مع دوائر الإسلام والعروبة والوطنية والإنسانية وبين نسقها الصحيح وسياقها الممتد لكل من الوجدان والجوار والمصلحة والأخوة الإنسانية، وللعلم فهذا الذي ما زال يستعصي إلى اليوم على عدد من التنظيمات الإسلامية والقومية فأوقعها في أنانية قاتلة ونزاعات لا تنتهي.
    عطاء قائد وجماعة
    لم يمضِ الإمام الشهيد إلى ربَّه إلا وجماعته الفتية قد جاوزت طوق الاسم لتصبح أبرز مظاهر البعث الإسلامي تعقد عليها آمال التحرير وإعادة الإسلام إلى الدنيا لما رأى فيها الناس من علامات النجاح، فالحركة بقيادة مؤسساتها أثارت الوعي الإسلامي وعبَّأت الجماهير ووجَّهتها صوب الهدف، وجددت الانتماء للإسلام والاعتزاز بهو الالتزام بأحكامه وسمته، وقد كوَّنت لعملية التجديد عشرات، بل مئات العلماء حتى قيل لو نُزعت كتبهم لبقيت المكتبة الإسلامية الحديثة فارغةً أو تكاد، تخصَّصوا في العلوم الشرعية الاقتصاد والتربوية وغيرها، وأمدت عملية تحرير الأرض من الاستعمار بآلاف الرجال الربانيين الذين طمست مآثرهم الخيانات المحلية.
    وقد نال منهم الشهادة غير قليل، كما كان لهم مع الاستبداد والطغيان منازلات معروفة، وفي ظروف الأمن والعافية، ولأول مرةٍ في العصر الحديث، شقَّت الحركة الطريق إلى النخبة المثقفة في البلاد الإسلامية، وارتبطت بجماهير الشعب فلم تُخدرها بالأوهام وإنَّما بصَّرتها بالحقائق، واهتمَّت بالطبقة العاملة وبرجال المال والأعمال وأبلت البلاء الحسن في كسب المرأة إلى جانبِ العمل الإسلامي الحركي، ولئن نشأت في مصر فقد نبتت لها فروع طيبة هنا وهناك حتى أصبح من النادر أن تخلو منها بلاد.
    وقد بذل الإمام الشهيد لإنجاز هذه الأعمال حياته كلَّها ووقته كلَّه وماله كلَّه، فكان العمل للإسلام طعامه وشرابه وهواءه وراحته وضالته فأحبَّه أتباعه حبًّا لا يكاد يضاهى؛ لأنه كان أهلاً لذلك وقد نفخ فيهم روحًا جديدةً عجيبةً بقوا يعملون عليها بعد وفاته ردحًا من الزمن، ولعل مثالاً واحدًا يكفي لبيان متانة البناءِ النفسي الذي أقامه المؤسس، فعندما شغر منصب المرشد العام بعد اغتياله لم تجد الجماعة حرجًا من عرضه على رجالٍ ليسوا مصريين ولا عربًا في بعض الأحيان أمثال مصطفى السباعي وأمين الحسيني والبشير الإبراهيمي وأبي الحسن الندوي.
    يمضي الرجل ويبقى البناء
    اشتهر حسن البنا- كما يقول د. محمد عمارة- بالكياسة والصياغات المرنة والتوفيقية التي تدع مختلف الأبواب مفتوحة وتترك الفرص لكل الاحتمالات لذلك استطاع إقامة بناء دعوى متكاملٍ عميقٍ يُنذر بتهديدٍ فعلي للقصر الملكي بمصر والاستعمار الإنجليزي فبادرت هذه الدوائر إلى تدبير اغتياله يوم 12 فبراير 1949، وهو لم يجاوز الأربعين من عمره إلا بثلاث سنوات، فتوقف عطاء رجل أكد الراسخون في الدين والعلم والدعوة أنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري عاش فيه بقسمات رجال القرون الأولى في تقواهم وروعهم وسعة علمهم وجليل أعمالهم، وصدق مَن قال (إن لم يكن حسن البنا وليًّا فليس لله ولي).
    وقال الملك فاروق بعد عملية الاغتيال "الآن استقرَّ عرشي"، وكان واهمًا إذ طاردته لعنة الولي الصالح طول حياته، ويكذب مَن يظن أن غياب المؤسس لم ينل من متانة البناء الذي شيده فقد كان موته خطبًا كبيرًا أحدث زلزالاً استغله الخصوم لقضاءِ مآربهم، لكن صمود أبناء الحركة رغم هول الصدمة أبطل الكيد وبقي اسم حسن البنا علمًا على الإسلام الحركي الفعال المتجدد المصلح للنفوس والمجتمعات، وهي مكانة بلغها وهو حي، ويكفي أن نورد هذه الشهادة: فقد ترشح- رحمه الله- للبرلمان مرتين وخرجت الجماهير المؤيدة له تجوب الشوارع في المرة الأولى وتهتف "إلى البرلمان يا بنَّا"، أما في المرة الثانية فقد كانت تهتف "إلى البنَّا يا برلمان"!.
    ذلك هو مؤسس الحركة الإسلامية المعاصرة لا ندعي له العصمة ولا نُحيطه بالقداسة، ولكنه نسيج وحده قلَّما يجتمع في شخصٍ واحدٍ ما اجتمع فيه من خصالِ الصلاح والنبوغ والعبقرية؛ وذلك لا يكون إلا لمَن انتدبته العناية الإلهية ليجدد للأمة دينها، ويكفيه فخرًا أن غرس يده قد أتى من الثمار ما لم يره- رحمه الله- في حياته وما لم يحلم بمثله أي مجدد ومصلح وتبشر الأيام بمزيدٍ من الثمرات الطيبة تغدق بها الشجرة المباركة التي غرسها.
    توفي الشيخ محمد الغزالي وهو يذكر أفضال حسن البنا عليه، وما زال العلامة القرضاوي يؤكد أنه أكثر الناس تأثيرًا فيه، ولو أنصف الناس لأعلنوا أن ثبات غزة الشامخ وانتصارها في معركة الفرقان إنما هو من صنيعِ أتباعه بفصلِ الله تعالى والتربية الراسخة المتكاملة التي ورثوها ومنه، وبثوها في أهل غزة، والحمد لله رب العالمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024, 6:48 pm