القومية .. وموقف الإسلام منها :
القومية كمفهوم عام هى الإنتماء العرقي لوطن أو عشيرة أو قبيلة ..
وهى فى المفهوم السياسي الواقعى حركة ثارت فى خمسينيات القرن الماضي تنادى بالوحدة العربية بين أقطار العروبة من المحيط إلى الخليج
حول هذا المفهوم وموقف الإسلام الإسلام منه , جاءت عدة أسئلة نوردها فى هذا الموضوع تباعا مع أجوبتها
السؤال الأول
كيف نفرّق بين الشوفينيّة المتعصبة والانتماء الصادق والفعال للوطن أو القطر.. وكيف نوفّق بين انتماءاتنا لأقطارنا الضيّقة وانتمائنا لوطننا العربي والأمة الاسلامية؟
وهنا يخطر سؤال: لماذا ينبذ كثير من الشيوخ الدعوات القومية؟ هل تعادي الإسلام؟؟
الجواب :
هذا سؤال هام
وهو يوضح لنا حقيقة هامة للغاية ومؤسفة فى نفس الوقت !
وهى أن الثقافات الغربية التى تسللت لمناهجنا الدراسية فى فترات الإحتلال نجحت نجاحا ساحقا فى طمس البصائر عن المرجعية الإسلامية ..
ولم ينج من هذا الطمس أحد من المثقفين إلا قليل ..وقد تورط فيه الجهابذة وأكدوه فى كتبهم ..
وقضية الإنتماء القومى للأقطار ليست قضية قديمة كما نتصور بل هى قضية معاصرة لا تتعدى المائة عام ونجح الإستعمار فى بثها أثناء الإحتلال عندما تمكن من القضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية ومزق أوصالها تمزيقا .. ثم قامت اتفاقية سايكس بيكو بالبقية الباقية حيث تمكنت من تقسيم وترسيم الحدود بين أقطار الخلافة الواحدة والتى ظلت لمدة ثلاثة عشر قرنا عبارة عن وطن واحد وبلد واحد لا يرتفع فيه صوت قومى مطلقا
وقبل الدخول فى صلب القضية يجب علينا التنبيه على حقيقة هامة نغفلها دوما وهى أن الخلافة الإسلامية لم تسقط كما يظن البعض بمضي الخلافة العباسية أوبمجئ التتار
بل ظلت الخلافة قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية ..
أى أن الحضارة الإسلامية استمرت قائمة حتى بعد سقوط العباسيين أيام المغول وذلك أن جيش مصر والشام تمكن من دحر المغول ورد هجماتهم وأعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى وإنكانت تقسمت إلى عدة دويلات وإمارات إلا أنها جميعا كانت تحت الحكم والإشراف العام للخليفة
وتناوبت الدول الإسلامية فى الحكم حتى ظهرت دولة العثمانيين واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية إلى قريب من حدودها القديمة وظلت حاكمة لثمانية قرون ودحرت أوربادحرا كاملا واستولت على مناطق شاسعة منها حتى جاء وقت انهيار العثمانيين فى بدايات القرن التاسع عشر وسقطت الخلافة سقوطا نهائيا فى هذاالتاريخ
ومن هذا التاريخ فقط ..
ظهرت مسألة القوميات التى ما كانت معروفة أبدا طيلة القرون السابقة حيث أن الدولة الإسلامية والإنتماء لها كانت واحدة ولم يكن هناك من ينادى بأنه مصري أو حجازى أو نحو ذلك إلا لمجرد التعريف بمقامه فحسب
وذلك لأن لواء الإسلام كان يجمع المسلمين فى أقطار الخلافة على وطن واحد
ويؤكد هذا المعنى أن دعوى القومية والعصبية للجنس أو القبيلة أو الدولة اعتبرها الإسلام دعوى جاهلية بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما أثيرت تلك النعرات فقال
( دعوها فإنها منتنة)
فالإنتماء فى الإسلام لا يعرف الأقطار بل هو ممتد ليشمل كل أرض فتحها المسلمون وأقاموا عليها شيئا من حضارتهم حتى لو تم احتلال هذا القطر فيما بعد
ولهذا فالمتأمل فى كتب الفقهاء القدامى فى باب الجهاد يجد بعض القواعد التى تشير إلى هذا المعنى بوضوح
ومنهاما أورده بن قدامه فى المغنى وغيره مما اتفق عليه الفقهاء أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد حينئذ فرض عين
فأى بقعة إسلامية من جروزنى فى شرق آسيا إلى الأندلس فى غرب أوربا إذا وقعت تحت الإحتلال فالجهاد واجب على كل مسلم حتى تحرر تلك الأرض وإلا عم الإثم الجميع
ولهذا السبب فإنه حتى فى عهد الدويلات التى امتلكت رقعة أرض الخلافة كان أمراء تلك البلاد يتناسون خلافاتهم عندما يتعرض بلد منهم لحملة صليبية أو مغولية .. والتاريخ يحتفظ بعشرات المعارك التى خاضها جيش مصرفى عهد المماليك دفاعا عن الشام
ولم تسقط حملات الغرب الصليبية إلا بسبب هذا التوحد الإسلامى ولهذا كان الغرب عبقريا فى إدراكه لهذه الحقيقة فسعي أولا لبعثرة هذا النداء على المدى الطويل وفق خطة مذهلة ..
وهذه الخطة وضعها نابليون فى حملته على مصر حيث أدرك باستقراء التاريخ أن المفصل الواقع بين مصر والشاموالإتصال بينهما هو السبب الرئيسي فى فشل الحملات الغربية دوما
فما إن تشتكى الشام حتى تهب مصر والعكس بالعكس ..
فابتكر خطته المعروفة باسم الورقة اليهودية والتى تحدث عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بالجزء الأول
وكان مؤدى الخطة هو زرع جسم غريب بين المنطقتين يجعل التوحد بينهما مستحيلا ..
وسقط نابليون أمام أعدائه فى معركة ووترلوا لكن الإنجليز فطنوا لخطته ومضوا فى تنفيذها بالفعل وبدأت الهجرات اليهودية من أواخر القرن التاسع عشر تتوالى على منطقة المفصل الشامى المصري برعاية المنظمات اليهودية وآل روتشيلد فى بريطانيا حتى تأسست إسرائيل التى قامت بدور الحارس الأمين
ومن المعلومات الغائبة عن أذهان الكثيرين أن المناضلين المصريين أيام الإحتلال الإنجليزى لم يكونوا ينادون بتحرر مصر كدولة مستقلة بل كان نداؤهم وجهادهم كله منصب على عودة مصر كولاية من ولايات الخلافة العثمانية وكان زعيم هذا التيار هو مصطفي كامل نفسه والذى كان جهاده بالتواصل مع والى مصر آنذاك ومع السلطان العثمانى باعتباره خليفة المسلمين ..
فلم يكن هناك أى فكرة عن مسألة القوميات فى تلك الفترة ولا حتى القومية العربية التى لم تكن معروفة ولم ينادى بها أحد أبدا طيلة هذا التاريخ
بل كان النداء مركزا على الخلافة وحدها وضرورة تحرر أراضيها من الإنجليز
ولما سقطت الخلافة وتم تعيين فؤاد الأول ملكا على مصر وتغير مسماه من سلطان إلى ملك لدولة مستقلة هى مصر والسودان بدأت خطة الإنجليز تثمر بدفع الكوادر للمطالبة بحركات تحرر قومى مستقلة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل
فتسللت ثقافة الشيوعية والقومية إلى عالمنا قادمة من دول غرب أوربا وبلغت أوجها فى الخمسينيات والستينات وتخلت مصر طواعية عنالسودان والذى كان هو السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات الصلح بين الوفد وبين الإنجليز فقبلت الثورة فيما بعد هذا الإنفصال لتستقل مصر وحدها كدولة ..
ثم ظهرت نداءات القومية العربية التى تنادى بوحدة العرب وحدهم على أساس الجنس وهى دعوة ماكان لها ذرة وجود قبل تلك الفترة ومع تفعيل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم وترسيم الحدود فى العالم العربي بالشكل الواقع حاليا
أصبح لكل قطر عربي توجه قومى منفرد
أى أن العرب وبمنتهى البساطة أقروا التقسيمات التى تفصل بينهم إلى دول شرذمية رغم أن هذا التقسيم جاء من الغرب المحتل فى اتفاقية سايكس بيكو
والأدهى من ذلك أن العرب عندما اختلفوا فيما بينهم على تلك الحدود احتجوا بترسيم انجلترا وفرنسا لتلك الحدود واعتبروها مرجعا للخلاف !
وهكذا نشأت دول الوطن العربي المعاصر والتى ليس لمعظمها أى أصل فى التاريخ ..
فمثلا كانت الشام بأكملها قطرا واحدا وكذلك المغرب العربي وأيضا الجزيرة العربية .. وكذلك حوض النيل كله من أقاصي الصومال وحتى الإسكندرية بمصر
وكل الدول القائمة حاليا بلا استثناء قامت على حدود عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو
وساهم الغرب فى توطين تلك الثقافة بتوطين شهوة الحكم والخلافات بين حكام تلك الأقطار الجديدة , وجاءت نداءات القومية العرقية لتؤكد هذا المعنى لنصل إلى النتائج التالية
* اندثار الإنتماء الإسلامى الواحد الذى جمع المسلمين عربا وعجما تحت لواء واحد لثلاثة عشر قرنا
* ظهور مسمى الوحدة العربية كبديل عن الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية
* ظهور الغيرة على القوميات الضيقة بل وظهور العداءات الجارفة بين تلك الأقطار التى تشكلت إلى دول مختلفة بينما كانت قبل مائة عام فقط دولة واحدة متحدة
*ضياع أراضي المسلمين ضياعا نهائيا بسبب نداء القوميات الذى فشل فى مواجهة اليهود فتركوا لهم فلسطين لقمة سائغة وفى نفس الوقت أجرم أكبر جرم فى استبعاد الوحدة الإسلامية من قضية فلسطين لتصبح فى عهد القوميات مشكلة عربية لا إسلامية .. وبهذا وبجرة قلم أخرج القوميون عشرات الدول الإسلامية من معادلة الصراع فضلا على أن القومية وبطبيعتها كنداء جاهلى أدت إلى التضييق أكثر فأكثر فأصبحت قضية الأقصي قضية دول المواجهة ثم أصبحت قضية فلسطين بعد تشكل دولة فلسطين الورقية وهكذا !
*تخلى العرب بأنفسهم وبمنتهى البساطة عن دورهم المحورى فى الدول الإسلامية التى كانت معهم تحت مظلة واحدة طيلة ثلاثة عشر قرنا ووصل نداء القومية بهم إلى الوقوف على الحياد من قضايا دول إسلامية شقيقة فى إيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وأندونسيا وغيرها مما قطع أى حلقة اتصال بين العرب وتلك الشعوب
*كانت واحدة من أكب الجرائم القومية هى أن القوميون لم يكتفوا بالحياد المخزى بل قاموا بالإنضمام لضفوف الغرب ضد مصالح إخوانهم فى الدين بآسيا ..
فدخلت بعض الدول العربية التى كانت تمثل المرجعية الإسلامية لسائر مسلمى الأرض فى تحالفات مصالح مع الإتحاد السوفياتى ضد الولايات الإسلامية وتحالفوا مع الهند ضد باكستان ثم أخيرا اعتبروا الشيشان مسألة روسية داخلية
كما ساهموا بأعظم جناية عندما نشروا ثقافة القومية الضيقة فأصبح المخلصونمن أبناء هذه الأوطان صما وعميانا عن إدراك الحقيقة الراسخة فى دينهم وهى أن تعاطفهم فرض واجب ـ ليس مع فلسطين فحسب ـ بل مع سائر قضايا الأمة الإسلامية وليست هناك أرض إسلامية أغلى من شقيقتها ..
ووصل التغييب اليوم بين المثقفين فضلا عن العامة إلى درجة مفزعة بلغت بالمثقفين أنهم يجهلون حتى مسمى الدول الإسلامية فى آسيا فلا يمكنهم معرفة من هى الدول المسلمة فى العالم من غيرها !
آخر القول بخصوص هذا السؤال أن الإنتماء الواجب فى الإسلام يجب أن يكون لكل أرض الإسلام والإقامة فى أى منها متاحة ومباحة بعكس الإقامة فى البلاد غير الإسلامية والتعاطف والإنتماء يجب أن ينصرف بشكل متساوى إلى جميع تلك الأقطار
وليس معنى هذا أن نهمل الإنتماء لأوطاننا القريبة أو نرفض العمل لحكوماتها أو الحرب فى صفوف جيوشها فهذا كله من صلب الإسلام بشرط ألا يكون حكرا على الأوطان بمفهومه االضيق
القومية كمفهوم عام هى الإنتماء العرقي لوطن أو عشيرة أو قبيلة ..
وهى فى المفهوم السياسي الواقعى حركة ثارت فى خمسينيات القرن الماضي تنادى بالوحدة العربية بين أقطار العروبة من المحيط إلى الخليج
حول هذا المفهوم وموقف الإسلام الإسلام منه , جاءت عدة أسئلة نوردها فى هذا الموضوع تباعا مع أجوبتها
السؤال الأول
كيف نفرّق بين الشوفينيّة المتعصبة والانتماء الصادق والفعال للوطن أو القطر.. وكيف نوفّق بين انتماءاتنا لأقطارنا الضيّقة وانتمائنا لوطننا العربي والأمة الاسلامية؟
وهنا يخطر سؤال: لماذا ينبذ كثير من الشيوخ الدعوات القومية؟ هل تعادي الإسلام؟؟
الجواب :
هذا سؤال هام
وهو يوضح لنا حقيقة هامة للغاية ومؤسفة فى نفس الوقت !
وهى أن الثقافات الغربية التى تسللت لمناهجنا الدراسية فى فترات الإحتلال نجحت نجاحا ساحقا فى طمس البصائر عن المرجعية الإسلامية ..
ولم ينج من هذا الطمس أحد من المثقفين إلا قليل ..وقد تورط فيه الجهابذة وأكدوه فى كتبهم ..
وقضية الإنتماء القومى للأقطار ليست قضية قديمة كما نتصور بل هى قضية معاصرة لا تتعدى المائة عام ونجح الإستعمار فى بثها أثناء الإحتلال عندما تمكن من القضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية ومزق أوصالها تمزيقا .. ثم قامت اتفاقية سايكس بيكو بالبقية الباقية حيث تمكنت من تقسيم وترسيم الحدود بين أقطار الخلافة الواحدة والتى ظلت لمدة ثلاثة عشر قرنا عبارة عن وطن واحد وبلد واحد لا يرتفع فيه صوت قومى مطلقا
وقبل الدخول فى صلب القضية يجب علينا التنبيه على حقيقة هامة نغفلها دوما وهى أن الخلافة الإسلامية لم تسقط كما يظن البعض بمضي الخلافة العباسية أوبمجئ التتار
بل ظلت الخلافة قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية ..
أى أن الحضارة الإسلامية استمرت قائمة حتى بعد سقوط العباسيين أيام المغول وذلك أن جيش مصر والشام تمكن من دحر المغول ورد هجماتهم وأعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى وإنكانت تقسمت إلى عدة دويلات وإمارات إلا أنها جميعا كانت تحت الحكم والإشراف العام للخليفة
وتناوبت الدول الإسلامية فى الحكم حتى ظهرت دولة العثمانيين واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية إلى قريب من حدودها القديمة وظلت حاكمة لثمانية قرون ودحرت أوربادحرا كاملا واستولت على مناطق شاسعة منها حتى جاء وقت انهيار العثمانيين فى بدايات القرن التاسع عشر وسقطت الخلافة سقوطا نهائيا فى هذاالتاريخ
ومن هذا التاريخ فقط ..
ظهرت مسألة القوميات التى ما كانت معروفة أبدا طيلة القرون السابقة حيث أن الدولة الإسلامية والإنتماء لها كانت واحدة ولم يكن هناك من ينادى بأنه مصري أو حجازى أو نحو ذلك إلا لمجرد التعريف بمقامه فحسب
وذلك لأن لواء الإسلام كان يجمع المسلمين فى أقطار الخلافة على وطن واحد
ويؤكد هذا المعنى أن دعوى القومية والعصبية للجنس أو القبيلة أو الدولة اعتبرها الإسلام دعوى جاهلية بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما أثيرت تلك النعرات فقال
( دعوها فإنها منتنة)
فالإنتماء فى الإسلام لا يعرف الأقطار بل هو ممتد ليشمل كل أرض فتحها المسلمون وأقاموا عليها شيئا من حضارتهم حتى لو تم احتلال هذا القطر فيما بعد
ولهذا فالمتأمل فى كتب الفقهاء القدامى فى باب الجهاد يجد بعض القواعد التى تشير إلى هذا المعنى بوضوح
ومنهاما أورده بن قدامه فى المغنى وغيره مما اتفق عليه الفقهاء أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد حينئذ فرض عين
فأى بقعة إسلامية من جروزنى فى شرق آسيا إلى الأندلس فى غرب أوربا إذا وقعت تحت الإحتلال فالجهاد واجب على كل مسلم حتى تحرر تلك الأرض وإلا عم الإثم الجميع
ولهذا السبب فإنه حتى فى عهد الدويلات التى امتلكت رقعة أرض الخلافة كان أمراء تلك البلاد يتناسون خلافاتهم عندما يتعرض بلد منهم لحملة صليبية أو مغولية .. والتاريخ يحتفظ بعشرات المعارك التى خاضها جيش مصرفى عهد المماليك دفاعا عن الشام
ولم تسقط حملات الغرب الصليبية إلا بسبب هذا التوحد الإسلامى ولهذا كان الغرب عبقريا فى إدراكه لهذه الحقيقة فسعي أولا لبعثرة هذا النداء على المدى الطويل وفق خطة مذهلة ..
وهذه الخطة وضعها نابليون فى حملته على مصر حيث أدرك باستقراء التاريخ أن المفصل الواقع بين مصر والشاموالإتصال بينهما هو السبب الرئيسي فى فشل الحملات الغربية دوما
فما إن تشتكى الشام حتى تهب مصر والعكس بالعكس ..
فابتكر خطته المعروفة باسم الورقة اليهودية والتى تحدث عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بالجزء الأول
وكان مؤدى الخطة هو زرع جسم غريب بين المنطقتين يجعل التوحد بينهما مستحيلا ..
وسقط نابليون أمام أعدائه فى معركة ووترلوا لكن الإنجليز فطنوا لخطته ومضوا فى تنفيذها بالفعل وبدأت الهجرات اليهودية من أواخر القرن التاسع عشر تتوالى على منطقة المفصل الشامى المصري برعاية المنظمات اليهودية وآل روتشيلد فى بريطانيا حتى تأسست إسرائيل التى قامت بدور الحارس الأمين
ومن المعلومات الغائبة عن أذهان الكثيرين أن المناضلين المصريين أيام الإحتلال الإنجليزى لم يكونوا ينادون بتحرر مصر كدولة مستقلة بل كان نداؤهم وجهادهم كله منصب على عودة مصر كولاية من ولايات الخلافة العثمانية وكان زعيم هذا التيار هو مصطفي كامل نفسه والذى كان جهاده بالتواصل مع والى مصر آنذاك ومع السلطان العثمانى باعتباره خليفة المسلمين ..
فلم يكن هناك أى فكرة عن مسألة القوميات فى تلك الفترة ولا حتى القومية العربية التى لم تكن معروفة ولم ينادى بها أحد أبدا طيلة هذا التاريخ
بل كان النداء مركزا على الخلافة وحدها وضرورة تحرر أراضيها من الإنجليز
ولما سقطت الخلافة وتم تعيين فؤاد الأول ملكا على مصر وتغير مسماه من سلطان إلى ملك لدولة مستقلة هى مصر والسودان بدأت خطة الإنجليز تثمر بدفع الكوادر للمطالبة بحركات تحرر قومى مستقلة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل
فتسللت ثقافة الشيوعية والقومية إلى عالمنا قادمة من دول غرب أوربا وبلغت أوجها فى الخمسينيات والستينات وتخلت مصر طواعية عنالسودان والذى كان هو السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات الصلح بين الوفد وبين الإنجليز فقبلت الثورة فيما بعد هذا الإنفصال لتستقل مصر وحدها كدولة ..
ثم ظهرت نداءات القومية العربية التى تنادى بوحدة العرب وحدهم على أساس الجنس وهى دعوة ماكان لها ذرة وجود قبل تلك الفترة ومع تفعيل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم وترسيم الحدود فى العالم العربي بالشكل الواقع حاليا
أصبح لكل قطر عربي توجه قومى منفرد
أى أن العرب وبمنتهى البساطة أقروا التقسيمات التى تفصل بينهم إلى دول شرذمية رغم أن هذا التقسيم جاء من الغرب المحتل فى اتفاقية سايكس بيكو
والأدهى من ذلك أن العرب عندما اختلفوا فيما بينهم على تلك الحدود احتجوا بترسيم انجلترا وفرنسا لتلك الحدود واعتبروها مرجعا للخلاف !
وهكذا نشأت دول الوطن العربي المعاصر والتى ليس لمعظمها أى أصل فى التاريخ ..
فمثلا كانت الشام بأكملها قطرا واحدا وكذلك المغرب العربي وأيضا الجزيرة العربية .. وكذلك حوض النيل كله من أقاصي الصومال وحتى الإسكندرية بمصر
وكل الدول القائمة حاليا بلا استثناء قامت على حدود عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو
وساهم الغرب فى توطين تلك الثقافة بتوطين شهوة الحكم والخلافات بين حكام تلك الأقطار الجديدة , وجاءت نداءات القومية العرقية لتؤكد هذا المعنى لنصل إلى النتائج التالية
* اندثار الإنتماء الإسلامى الواحد الذى جمع المسلمين عربا وعجما تحت لواء واحد لثلاثة عشر قرنا
* ظهور مسمى الوحدة العربية كبديل عن الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية
* ظهور الغيرة على القوميات الضيقة بل وظهور العداءات الجارفة بين تلك الأقطار التى تشكلت إلى دول مختلفة بينما كانت قبل مائة عام فقط دولة واحدة متحدة
*ضياع أراضي المسلمين ضياعا نهائيا بسبب نداء القوميات الذى فشل فى مواجهة اليهود فتركوا لهم فلسطين لقمة سائغة وفى نفس الوقت أجرم أكبر جرم فى استبعاد الوحدة الإسلامية من قضية فلسطين لتصبح فى عهد القوميات مشكلة عربية لا إسلامية .. وبهذا وبجرة قلم أخرج القوميون عشرات الدول الإسلامية من معادلة الصراع فضلا على أن القومية وبطبيعتها كنداء جاهلى أدت إلى التضييق أكثر فأكثر فأصبحت قضية الأقصي قضية دول المواجهة ثم أصبحت قضية فلسطين بعد تشكل دولة فلسطين الورقية وهكذا !
*تخلى العرب بأنفسهم وبمنتهى البساطة عن دورهم المحورى فى الدول الإسلامية التى كانت معهم تحت مظلة واحدة طيلة ثلاثة عشر قرنا ووصل نداء القومية بهم إلى الوقوف على الحياد من قضايا دول إسلامية شقيقة فى إيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وأندونسيا وغيرها مما قطع أى حلقة اتصال بين العرب وتلك الشعوب
*كانت واحدة من أكب الجرائم القومية هى أن القوميون لم يكتفوا بالحياد المخزى بل قاموا بالإنضمام لضفوف الغرب ضد مصالح إخوانهم فى الدين بآسيا ..
فدخلت بعض الدول العربية التى كانت تمثل المرجعية الإسلامية لسائر مسلمى الأرض فى تحالفات مصالح مع الإتحاد السوفياتى ضد الولايات الإسلامية وتحالفوا مع الهند ضد باكستان ثم أخيرا اعتبروا الشيشان مسألة روسية داخلية
كما ساهموا بأعظم جناية عندما نشروا ثقافة القومية الضيقة فأصبح المخلصونمن أبناء هذه الأوطان صما وعميانا عن إدراك الحقيقة الراسخة فى دينهم وهى أن تعاطفهم فرض واجب ـ ليس مع فلسطين فحسب ـ بل مع سائر قضايا الأمة الإسلامية وليست هناك أرض إسلامية أغلى من شقيقتها ..
ووصل التغييب اليوم بين المثقفين فضلا عن العامة إلى درجة مفزعة بلغت بالمثقفين أنهم يجهلون حتى مسمى الدول الإسلامية فى آسيا فلا يمكنهم معرفة من هى الدول المسلمة فى العالم من غيرها !
آخر القول بخصوص هذا السؤال أن الإنتماء الواجب فى الإسلام يجب أن يكون لكل أرض الإسلام والإقامة فى أى منها متاحة ومباحة بعكس الإقامة فى البلاد غير الإسلامية والتعاطف والإنتماء يجب أن ينصرف بشكل متساوى إلى جميع تلك الأقطار
وليس معنى هذا أن نهمل الإنتماء لأوطاننا القريبة أو نرفض العمل لحكوماتها أو الحرب فى صفوف جيوشها فهذا كله من صلب الإسلام بشرط ألا يكون حكرا على الأوطان بمفهومه االضيق