الحرب على غزة ... دروس وعبر |
[ 11/02/2009 - 08:58 ص ] |
د. نافذ سليمان بعد أن وضعت الحرب على غزة أوزارها، وانفض غبار المعركة لينجلي عن دمار البنيان وانتصار الإيمان ، لا بد لنا أن نعيد قراءة هذا المشهد الدموي القاني ، من زاوية الاستفادة من إيجابياته واستثمارها ، وتلافي سلبياته وتصحيحها ، فهذه المعركة ذات الثلاثة وعشرين يوماً تعد الأطول زمناً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ، والذي اعتادت فيه إسرائيل على ما يسمى بالحرب الخاطفة ، إضافة إلى أنها الحرب الثانية التي تدور رحاها –ليس فقط في المدن العربية –بل أيضا في المدن الإسرائيلية ، فهذه الحرب وحرب تموز 2006 في لبنان ، كانت المدن الإسرائيلية في الشمال والجنوب عرضة لصواريخ المقاومة ، حيث اضطر آلاف اليهود إلى الاحتماء في الملاجئ الأرضية وتعطيل شئون حياتهم طيلة فترة الحرب. ومن المفارقات أيضاً أن هذه الحرب الثانية في غضون سنتين يخرج الجيش الصهيوني منهزماً أمام صمود المقاومة ، والتي اعتبرها هدفاً أساسياً لحروبه ، لكنها ازدادت قوة وشعبية وتهيئاً لحروب أوسع في المستقبل ، لكنها ستكون حروباً هجومية أكثر منها دفاعية بإذن الله ، وأتذكر في هذا المقام قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد غزوة الأحزاب "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا"، ويمكننا أن نستلهم الدروس التالية من هذه الحرب على غزة : إرادة المقاومة أقوى من مقاومة الإرادة: فإسرائيل تسلحت بالطيران جواً والدبابات براً والبوارج الحربية بحراً، وكانت تمتلك في ذلك اعتى الأسلحة وأشدها فتكاً وتدميراً ، حتى أن هناك أسلحة تجرب لأول مرة ، وأسلحة محرمة دولياً كالفسفور الأبيض والدايم، ناهيك عن الظهير السياسي والضوء الأخضر التي حصلت عليه من أمريكا –خاصة أن الحرب حصلت في فترة انتقالية للحكم في أمريكا- مما هيأ للساسة الصهاينة الأجواء الملائمة لشن الحرب على غزة، كل هذا الاستعداد من قبل إسرائيل قابله إرادة المقاومة التي أثارت إعجاب العالم بأصدقائه وأعدائه، وتمثلت هذه الإرادة على مستوى صلابة وصمود المقاومة المسلحة ، بحيث لم تتمكن الآلة العسكرية الصهيونية من اختراق المدن ، بل إن المقاومة كانت تتصدى لهم على أطراف القطاع وتقوم بشن غارات على مواقع تمركز القوات البرية الصهيونية ، واستمرت المقاومة في إطلاق الصواريخ لآخر أيام الحرب. وعلى المستوى الشعبي بقيت إرادة المقاومة مشتعلة في صدور الأطفال قبل الكبار والنساء قبل الرجال ، الكل قد أجمع على روح المقاومة والصمود ، حتى أن مراسلي الفضائيات لم يجدوا أحداً يشكو إليهم المقاومة وما جرته عليهم من ويلات ،ويشهد لذلك صحيفة واشنطن بوست الأمريكية والتي أكدت أن إرادة القتال تعززت لدى سكان قطاع غزة ولم تتراجع ، مشددة على أن شعبية حركة حماس ارتفعت في عيون المواطنين الفلسطينيين بشكل كبير بعد توقف الحرب على غزة . وفي استطلاع لرأي جرحى غزة الذين يعالجون في المستشفيات المصرية –أجرته الصحيفة المذكورة- بين أن أغلب المصابين باتوا يودون العودة إلى غزة لينضموا إلى صفوف مقاتلي حماس لمواجهة جرائم الاحتلال ، وذكر التقرير أن من لم يؤيد حماس قبل الحرب من الجرحى تعهد بالانضمام إليها ، ويعلق التقرير "هذه شيمة الفلسطينيين كلما ازداد الضرب كلما اشتدت المقاومة" ، وهذا يذكرنا بالمقولة التاريخية "إن الضربة التي لا تميتني تزيدني قوة". ويشهد بذلك أحد الشباب المصريين الذين استطاعوا الدخول إلى غزة خلال الحرب فيقول: "خلال كل هذه المجازر لم اسمع شخصاً ممن قصفت منازلهم ، أو جرحوا أو استشهد عائلهم يدين المقاومة .. الناس هنا لا تمانع أبداً أن يخرج من كل بيت مقاوم" . وبناء على ما سبق فلابد من الاهتمام بتعزيز هذه الإرادة المقاومة ليس لدى الشعب الفلسطيني فحسب ، بل لابد من تعميم هذه التجربة على باقي الشعوب العربية والإسلامية ، لتستعيد سيادتها وقراراها الحر بعيداً عن ضغوط الاستعمار الغربي وتخاذل الحكام الحريصين على كراسي الحكم. تنوع الأدوار وتكاملها: فخلال هذه الحرب ظهر التنوع والتكامل بين أدوار فئات عديدة في الشعوب الإسلامية ، ساهمت جميعاً في تحقيق النصر ، فنهض العلماء الربانيون بسلاح الكلمة عبر المنابر والبيانات وإقامة الحجة على الحكام من خلال جولة العلماء على بعض البلدان العربية، ودعوة الشعوب لمناصرة إخوانهم في غزة بالمسيرات وجمع التبرعات والدعاء ، وأحزنني موقف بعض أهل العلم الذين أفتوا بحرمة المظاهرات بناء على طلب النظام الحاكم ، بل إني سمعت بعضهم يحمل المقاومة ما جرى بحجة أن المقاومة دخلت الحرب ولم تعد لها جيداً ، فكان عليها الانتظار ، ولا أدري إلى متى؟ وهل للإعداد حد أم أنه حسب الاستطاعة ؟ كما قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ". كذلك كان للإعلام دور هائل في هذه الحرب ، فهو العين التي رأى بها العالم فظائع الاحتلال الوحشية ، وإني أتقدم بالشكر لكل وسائل الإعلام التي ساندت الشعب الفلسطيني في محنته، وأخص بالذكر قناة الجزيرة الفضائية ، والتي تفرغت تماماً لهذا الحدث الجلل على مدار فترة الحرب ، بتغطية مباشرة مما حرك شعوب العالم لمناصرة غزة ، نقول هذا بينما كانت فضائيات عربية وما أكثرها تغط في نوم عميق في بحر لجي من المسلسلات والأغاني والمباريات وغيرها من عوامل تخدير الأمة وإلهائها عن أزماتها ومغتصبيها ، ولذا نقول أن الجزيرة وأخواتها من القنوات الحرة فزن في معركة الإعلام بحق واقتدار. أما دور الجماهير المنتفضة في شوارع العالم قاطبة ، فكان الدور الأبرز في هذه الحرب ، حيث بقيت هذه الجماهير ثلاثة أسابيع وبنفس متواصل ومتصاعد تملأ الشارع وتهتف لغزة وضد الغزاة ، مما أعطى المقاومة وأهل غزة دعماً نفسياً عظيماً للصمود والصبر. ولأول مرة تستطيع المقاومة أن تذيب الجليد على دور بعض الحكام ، والتي تعودت الأمة دوراًً واحداً من قبل وهو دور الاستسلام للإرادة الأمريكية ، لكن مع هذه الحرب ظهرت صور جديدة لبعض الحكام كرئيس وزراء تركيا وأمير قطر ورئيس فنزويلا وبوليفيا ، مما يؤهل لحقبة قادمة ستتعزز فيها المقاومة ليس على المستوى الشعبي فقط بل على المستوى الدولي أيضا فلا بد من استثمار ذلك والتخطيط للاستفادة منه. وهكذا يمكن أن نعدد أدواراً أخرى للمحامين وفنيي الانترنت والبرلمانيين وفصائل المقاومة في بلاد الإسلام كالعراق وأفغانستان ولبنان ، كل هذه الأدوار المتنوعة يجب أن تتكامل في خطة التحرير القادمة ، ليس بالفعل العفوي أو الفردي بل بتوزيع الأدوار ضمن خطة إسلامية عالمية لإسناد المقاومة في فلسطين لاستكمال تحريرها بإذن الله. الحرب النفسية خطر من الداخل: دأبت إسرائيل على مدار سني الصراع مع العرب والفلسطينيين على استخدام أسلوب الحرب النفسية ، من خلال بث الإشاعات التي تستهدف إضعاف النفوس وكسر الإرادات لدى الخصم ، فقد قامت إسرائيل على فرية تاريخية ألا وهي "فلسطين وطن بلا شعب لشعب بلا وطن" ، و"اليهود شعب الله المختار وفلسطين ارض الميعاد" ، إضافة إلى اختلاق فرية "الهولوكوست اليهودي " بزعم حرق هتلر لملايين اليهود من أجل استدرار عطف دول العالم لإقامة دولة لهم ، وبعد أن قامت هذه الدولة اللقيطة واصلت إسرائيل حربها النفسية بوصف جيشها بأنه لا يقهر ، وأنها واحة الديمقراطية الغربية في المنطقة، وخلال الحرب الأخيرة على غزة أسقطت طائراتها آلاف المناشير على السكان الفلسطينيين تحذرهم من التعاون مع المقاومة ، وأنها لا تحاربهم بل تحارب الإرهاب ، وتأمرهم بإخلاء منازلهم لقصفها ، واستخدمت كذلك وسائل أخرى للحرب النفسية كالاتصال على جوالات وهواتف الناس ، واختراق الإذاعات المحلية وفضائية الأقصى لبث بياناتها وتخويف الناس، وساعدها في ذلك الطابور الخامس من العملاء والمنهزمين في سلطة رام الله وبعض الحكومات العربية ، الذين حملوا المقاومة وزر هذه الحرب ، واتهموها باللامسئولية والمراهقة في الصراع مع اليهود. |
الحرب على غزة دروس وعبر
الفاتح- رسالتي :
الجنس :
المشاركات : 96
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب بكلية الهندسة
المزاج : حزين لحال الامة
السٌّمعَة : 2
- مساهمة رقم 1