وأما أبَوُ مُسْلِمٍ الْخَوَلَانُيُّ
فلم يجالس أحداً قط يتكلم في شيئ من أمر الدنيا إلا تحول عنه ، فدخل ذات يوم المسجد ، فنظر إلى نفر ، قد اجتمعوا ، فرجا أن يكونوا على ذكر الله عز وجل ، فجلس إليهم ، فإذا بعضهم يقول : قدم غلامي ، فأصاب كذا وكذا ، وقال الآخر : جهزت غلامي ، فنظر إليهم ، فقال : سبحان الله ! أتدرون ما مثلي ومثلكم ؟! كرجل أصابه مطر غزير وابل ، فالتفت ، فإذا هو بمصراعين عظيمين ، فقال : لو دخلت هنا ، حتى يذهب المطر ، فدخل ،فإذا البيت لا سقف له ، جلست إليكم ، وأنا أرجو أن تكونوا على ذكر وخير ، فإذا أنتم أصحاب دنيا .
قال : وقال له قائل حين كبر ورق : لو قصرت عن بعض ما تصنع ؟! فقال : أرأيتم لو أرسلتم الخيل الحلبة ، ألستم تقولون لفارسها : ودعها وارفق بها ، حتى إذا رأيتم الغية فلا تستبقوا منها شيئاً ؟ قالوا :بلى ، قال : فإني أبصرت الغاية ، وإن لكل ساع غاية ، وغاية كل ساع الموت ، فسابق ومسبوق .